لسنوات طويلة، تعرض القانون الدولي لانتقادات شديدة من قبل الخبراء القانونيين وجمعيات حقوق الإنسان، باعتباره أداة تُستخدم لخدمة المصالح الغربية، وتعد الإبادة الجماعية الصهيونية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة مثالاً صارخاً على هذا الانحراف، مما يؤكد صحة هذه الانتقادات ، و إنَّ رفض الولايات المتحدة الأميركية لقرارات المحكمة  دليل على ذلك، ودليل على ازدواجية المعايير في تطبيق القاعدة القانونية التي من المفروض أن تكون عامة ومجردة.
السؤال الذي يطرح هنا هو: إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على انتهاك القانون الدولي والتغاضي عن جرائم الحرب التي ارتكبتها هي وحلفاؤها، فما فائدة هذا القانون أصلاً؟
مشروع القانون الجديد ومذكرات المحكمة الجنائية الدولية:
في مايو/أيار من هذا العام، تقدّم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، متهماً إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لم يكن هذا الأمر مفاجئاً لمن تابع الأحداث، فلقد تم تدمير غزة بالكامل، واستُهدف العاملون في المجال الطبي والصحفيون، وأُعدِم الأطفال، واُستخدم الفسفور الأبيض، ونُقل السكان قسراً إلى “مناطق آمنة” تم قصفها لاحقاً.
لطالما أشار الخبراء القانونيون أنها مجرد مسألة وقت قبل محاسبة الساسة الصهاينة.
ومع ذلك، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أيضًا مذكرات اعتقال ضد زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، والقائد العسكري محمد الضيف، ورئيس المكتب السياسي السابق الشهيد إسماعيل هنية ، يعكس هذا القرار محاولة المحكمة الجنائية الدولية الظهور بمظهر الحياد، مع العلم أن ملاحقة الكيان الصهيوني وحده ستكون مستحيلة في ظلّ دعم الولايات المتحدة. (وهذا ليس مبرراً لإصدار مذكرات الاعتقال بحق المقاومين)
الدفاع الأمريكي عن الكيان الصهيوني وإنكار الإبادة الجماعية:
سارعت الولايات المتحدة للدفاع عن الكيان الصهيوني، ووصف رئيس مجلس النواب مايك جونسون تصرفات المحكمة الجنائية الدولية بأنها “لا أساس لها”، ونفى الرئيس جو بايدن رفقة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وقوع أيِّ إبادة جماعية، مرددين بذلك خطاب اللوبي الصهيوني ، وادَّعى بايدن أن الكيان الصهيوني “يبذل كل ما في وسعه لضمان الحماية المدنية”، وهو ادّعاء بعيد عن الحقيقة، بينما استخدم بلينكن الهولوكوست لتبرير تصرفات الكيان، وهو تحريف غريب للتاريخ.
يمتد هذا الإنكار عبر الطيف السياسي الأمريكي، حيث يتّحد الجمهوريون والديمقراطيون في تواطئهم، وحتى نيكي هيلي، الجمهورية، ذهبت إلى حد كتابة “اقضِ عليهم” على القذائف التي يطلقها جيش الاحتلال على المدنيين في غزة.
العلاقة بين القانون الدولي والهيمنة الغربية:
إذا أرادت الولايات المتحدة منع شيء ما من الحدوث، فلن يحدث – بغض النظر عما تحدده المحكمة الجنائية الدولية.
تدعي الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية أنهما موجودتان لتحقيق العدالة، لكن سجلهما يشير إلى عكس ذلك.
تأسست الأمم المتحدة في عام 1945 بهدف الحفاظ على السلم و الأمن  الدوليين وتعزيز حقوق الإنسان، وكان من المفترض أن تحاسب المحكمة الجنائية الدولية، التي تأسست في عام 2002 بموجب نظام روما الأساسي، الأفراد على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ولكن منذ تأسيس المحكمة لم يعاقب أيّ سياسي غربي، بينما عوقب الكثير من القادة وأمراء الحرب الأفارقة، أمثال زعيم “حركة الرب المقاومة” الأوغندي جوزيف كوني، ورئيس السودان الأسبق عمر البشير، لدرجة أنّ البعض يسمونها  “المحكمة الأفريقية الجنائية”.
جرائم الحرب الأمريكية والإفلات من العقاب:
تتجلى مقاومة الولايات المتحدة للقانون الدولي في جرائم الحرب الواسعة النطاق التي ارتكبتها، من فيتنام إلى أفغانستان والعراق والباكستان وسوريا وليبيا واليمن والصومال، للذكر لا الحصر.
عجز المحكمة:
تفتقر المحكمة الجنائية الدولية إلى آليات إنفاذ مستقلة وتعتمد على تعاون الدول في الاعتقالات والتحقيقات، مما يجعلها عرضة للضغوط وعدم الامتثال، خصوصاً من الدول القوية مثل الولايات المتحدة، و يحتوي نظام روما الأساسي، الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية، على أحكام مثل المادة 98، التي استخدمتها الولايات المتحدة لتأمين اتفاقيات الحصانة، وضمان عدم تسليم مواطنيها إلى المحكمة.
الخلاصة: عدم جدوى القانون الدولي:
بالنظر إلى الأدلة الساحقة على الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي، من غير المرجح أن يُقدَّم القادة الصهاينة إلى العدالة من قبل المحكمة الجنائية الدولية، إن التطبيق الانتقائي للقانون الدولي لا يخدم سوى تعزيز الهيمنة الغربية، بدلاً من تحقيق العدالة الحقيقية ، وطالما استمر تفادي المساءلة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، سيبقى وعد العدالة الحقيقية بعيد المنال.
حل:
على الرغم من التحديات التي تواجه تطبيق القانون الدولي، يبقى هذا الأخير أداةً أساسيةً، ويجب على الشعوب المضطهدَة الاستفادة منه لحماية حقوقها في السلام والأمن، وأحد الوسائل لتقرير مصيرها.
يمثل القانون الدولي أيضًا وسيلة فعالة للكشف عن تجاوزات الكيان الصهيوني ضد القانون الدولي والقانون الإنساني (قانون الحرب) والقوانين والمواثيق والقرارات الدولية الأخرى ، ومع دخول العالم حقبة جديدة من التعددية القطبية، فإنني، كطالب قانون، أؤمن أن هناك فرصة لتحرر القانون الدولي من هيمنة قوة عظمى أو القوى الكبرى عامة، مما يعزز العدالة العالمية…
وهذا ما نأمله.

نذير محمد – تونس