فاطمةُ الزهراء: مُشكاة النورِ في زمنِ التَّيه

جِهاد هرّاش

في زمنٍ تتسارع فيه المجتمعات نحو ما يُسمّى بالتقدّم والازدهار، كثيرًا ما يُغفل عن القيم الحقيقية التي تُبنى بها الأمم. وبينما تُروَّج مفاهيم زائفة تحت شعاراتٍ براقة، تظل سيرة السيدة فاطمة الزهراء “عليها السلام” منارةً مضيئة، تستحق أن تُستحضر في وجدان كل امرأة مسلمة ؛لتكون قدوةً في الطهر، والعلم، والثبات على الحق، والمثل الأعلى في بناء الذات والأسرة والمجتمع.

ولدت السيدةُ فاطمة الزهراء “عليها السلام “في مجتمعٍ كان ينظر إلى الأنثى نظرة عارٍ واستحقار، فجاء ميلادها متزامنًا مع بزوغ فجر الإسلام، فكان قدومها خيرًا وبركة، وفرجًا عظيمًا لإنقاذ كل امرأة ذُلّت آنذاك، بل ولإنقاذ من سيأتين بعدُ من الوأد والجور.

لقد نشأت الزهراء في بيتِ النبوة، تحت ظل الإسلام وفي غيمة الرسالة، وترعرعت في كنف أبوين طاهرين، تنمو وينمو الإسلام معها على يد أعظم خلق الله، محمدٍ صلوات الله عليه وآله وسلم . نشأت في بيتٍ تملؤه نسائم الوحي، وتعاليم الدين، وتحفّه تراتيل القرآن، وقيم الأخلاق، حتى نما فيها انتماءٌ روحانيٌّ وسموٌّ قرآنيّ.

وهكذا كانت الزهراء، تعلّمت في دار أبويها ما لم تتعلّمه طفلةٌ غيرها في مكة، بين آياتٍ من التنزيل، وعاداتٍ يأباها من حولهم.

سمعت القرآن الكريم من أبيها النبي صلوات الله عليه وآله، وتلقّت من تعاليمه على يد مدينة علم المصطفى، عليٍّ “عليه السلام” فتدبّرته، ووعت أحكام فرائضه.

رضعت النُبل والحنان من أمها خديجة رضي الله عنها، وارتوت العلم والمعرفة من مناهله الصافية، ألا وهو رسول الله محمدٌ عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم.

وبهذا نجد أن كل صفات السيدة فاطمة، وقيمها، ومبادئها، إنما تشير إلى مصدرٍ واحدٍ نقيّ، هو القرآن الكريم، وأحكامه وتشريعاته السامية.

لقد اعتنقت كل ذلك بحكمةٍ بالغة الدقة، وتربيةٍ ظاهرة الأثر، وعلى يد أعظم أساتذة العالم على مرّ التاريخ قاطبة.

عُرفت الزهراء بالصدق واتسمت بالعفّة والطهر، برجاحة العقل وقوة الموقف، بالصبر والثبات، بالعلمِ والفطنة، بالتواضعِ والعدل، بالشجاعة والجهاد… حتى بلغت الكمال الإنساني، وأصبحت المرأة المُستثناة كأبيها الرجل الاستثنائي في كل زمان.

لقد كانت الابنة البارّة، والزوجة الصالحة، والأم الحنونة، والأخت الكريمة، والمعلّمة العظيمة، والمرأة الزاكية.

حينها لُقّبت بسيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأمة، وسيدة نساء أهل الجنة. 
سلام الله عليها، وعلى أبيها، وعلى بعلها وبنيها، وعلی سلالتها الطاهرة المرضية.

وهكذا تظل الزهراء مُشكاة النور الإلهي، ومثالًا خالدًا لكل امرأة مؤمنة صادقة، ورمزًا شامخًا لامرأةٍ اجتمعت في طيّتها كل معاني الكمال الإيماني والرقيّ الأخلاقي، وتاجًا تتقلّده كل حرةٍ كريمة، تمسّكت بدينها الإسلامي بالنواجذ، في زمنٍ لم يتبقَّ من الدين إلا اسمه لدى الكثير من النساء. 

فسلامٌ على الزهراء يوم وُلدت، ويوم استُشهدت، ويوم تُبعث حيّة.

كاتبات وإعلاميات المسيرة