تذكرني تفجعات الثوريين وبكائياتهم على المسارح بما كنت أراه في تلفزيونات اوروبة التي كانت تبكي على اليهود في المحرقة ولكنها تتجاهل الوجع الفلسطيني .. ولاتبالي بمقتلة الفلسطينيين .. ولايعنيها ان تفكر للحظة واحدة بما يحل بالفلسطينيين من كوارث .. لم تكن اوروبة تذرف دمعة واحدة على الفلسطينيين .. ولما حدث غزو العراق كان كل جندي غربي يقتل هناك تتناقل صوره التلفزيونات والمجلات والجرائد وتصور لنا رسائله الى حبيبته والى كلبه في الحديقة ولكنها لاتقول لنا شيئا عن الامهات العراقيات المكلومات .. لم تذكر لنا ان 60 ألف ام عراقية بكت في ليلة واحدة بعد دفن الجيش العراقي المنسحب من الكويت في الرمال .. بكاؤنا هواء .. بكاء حشرات لاتسمعه الاذن التي تسمع موتزارت وبيتهوفن وفاغنر ..

اليوم تبكي عيون الأبناء وعيون النساء والامهات ممن يسمون ضحايا النظام البائد .. امام أعين الكاميرات وتبكي معها الناس ويتفجر خزين الحزن والاسى .. ولكن وعلى بعد كيلومترات قليلة هناك خمسون ألف عين تبكي بحرقة على أبناء وعائلات قتلت علنا على الهواء بلباسها المدني في الساحل والسويداء .. هؤلاء لم تقترب منهم كاميرات الوطن الجديد الرقيقة الحساسة .. وصارت دموعهم مثل دموع الحشرات .. فالعصافير الثورية لاتسمع الا زقزقات بعضها ولاتسمع الا أيات القرآن الكريم وكأن القرآن لهم وحدهم .. وصار العلوي والدرزي مثل الفلسطيني لايسمعه أحد في العالم .. وصار آلاف المدنيين في حلب الذين حرقتهم مدافع جهنم وهم نيام في بيوتهم في حلب مجرد ضحايا قتلهم النظام .. وجاء الثوار وانتقموا لهم من النظام .. أي صار القاتل هو من يأخذ حق الضحية .. ونسيت الاحتفالات آلاف الدماشقة الذين ماتوا والذين قصفهم زهران علوش .. فهؤلاء أيضا لاأمهات لهم ولا أبناء .. ولو سرت في دمشق لرأيت أناسا يسيرون بأطراف صناعية بترتها مدافع الهاون في الطرقات وهي تنهمر .. ولكن من سيسأل اليوم عن المجرم والقاتل .. وهو من يبكي ويذرف الدموع .. مثل الجلاد السفاح الذي يبكي عندما يرى مشهدا عاطفيا سينمائيا ..

أنا لااملك الا ان أمسك نفسي من أن يملكها الغضب لأنني أمام اي أم وأي ابن لاأملك الا ان أتفهم الحزن والوجع ولن أسمح لنفسي أن أتشفى او أسخر من وجع أم ولو كانت ام مجرم … ولكنني سأطلب منها وسأطلب من أهل كل مجرم قاتل أن يفكر ان هناك على الطرف الاخر أمّا أيضا تبكي وابنا يبكي .. ولاأحد يواسي .. وعليه ان يفكر ان الالم لايتوقف الا اذا توقف على الطرف الاخر ..

كل الامهات اللواتي بكين امام الكاميرات أنا شخصيا أتعاطف معهن لكنني لاأعرف من كان ابنها مجرما ومن كان أبوها مجرما .. فهي قصص لانعرف كم فيها من الكذب وكم فيها من الانحياز والخزين المهدرج .. والغريب ان أرشيف المخابرات والدولة كله في متناول السكان الجدد للقصر الجمهوري .. ولكن لم تسمح لاي جهة دولية محايدة ان تأتي وتحقق وتدقق في اوراق المحاكمات لتعرف نسبة المظلومين .. ونسبة القتلة الحقيقيين الذين عاقبهم النظام على جرائمهم .. لأن اسهل شيء هو ان تقول ان كل المجرمين هم من النظام وان كل المظلومين هم من المعتقلين .. رغم انني أعرف وانتم تعرفون ان الدولة كانت تحاكم الآلاف وكانت تجد المذنبين بالالاف وكانت تمسك بأشخاص قتلة ومجرمين .. مثل المجرم والد المجرمة السيكوباثية أسيا هشام الذي أعطى معلومات للثورجيين بأن الجنود السوريين يستريحون دوما في مطعمه .. وكان يعطيهم دوما اشارة لتصفيتهم عند وصولهم .. وتسبب في استشهاد العديدين منهم .. وبكت عيون أمهاتهم عليهم كما بكت عيون أسيا على أبيها .. أبيها الذي حوكم .. وصدر عليه حكم بالاعدام .. والمجرمة اسيا تعلم بذلك ولكنها تنكر ..

المهم أن هناك عيونا أخرى تبكي .. وهناك ألم في الطرف الاخر يستحق ان نعانقه وأن نحضنه .. ألم عظيم صامت .. فلشهدائنا أيضا أمهات .. ولشهدائنا ايضا أبناء .. لستم فقط انتم من يستحق البكاء والشقاء .. ومن لايرى غير وجعه لن يرى الاخرون وجعه .. يكفي هذا الاحتقار لأوجاع الناس .. ويكفي هذا الانكار اللئيم الحقير لآلام الناس .. ويكفي هذا اللون العنصري من التمييز بأن وجعكم لايضاهيه وجع .. وأنكم فوق البشر .. وأنكم مثل الهولوكست يجب ان يبكي عليكن العالم مثل الصهاينة .. أما مافعلتموه بفلسطينيي سورية (العلويين والدروز) الذين آووا عائلاتكم فهؤلاء مثل الانعام لايهم ان توجعوا ..

هذه النظرة الدونية للأخرين ستكون سببا في ان يحتقركم الاخرون ولايرون لكم وجعا .. ولاتستغربوا ان يأتي يوم تصنعون بأنفسكم من ضحاياكم وحوشا لاترحم .. أليس هذا الاستشراس في استفزاز مشاعر الناس واحتقار مشاعرهم وعقائدهم وشهدائهم وموتاهم وأبناءهم .. اليس هذا مايدفعكم اليه سادتكم في مكاتب المخابرات الغربية ؟