الطاهر المعز

تزامن الهجوم الواسع للمنظمات الإرهابية ( القاعدة التي أصبحت داعش ثم النّصرة ثم هيأة تحرير الشام ) التي تحتل إدلب منذ سنوات، والتي تأتمر بأوامر تركيا – حلف شمال الأطلسي – وقَطَر والإستخبارات البريطانية والأمريكية، على حلب وشمال سوريا قبل الوصول إلى دمشق وإسقاط نظام حزب البعث، مع إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 واغتنم الجيش الصهيوني الفرصة لتنفيذ حوالي ثمانمائة غارة، وقصف الثكنات ومخازن أسلحة وقواعد الجيش السوري، ولاحتلال جنوب سوريا، فيما أعلن أحمد الشرع، زعيم الإرهابيين إن إيران هي العدو الرئيسي وإن لا مشكلة له مع الكيان الصهيوني…سيطرت المليشيات الإرهابية على دمشق يوم الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، واعتبر رئيس وزراء العدو الصهيوني هذا الحدث بمثابة انتصار تاريخي للمشروع الصهيوني، واحتل جيش العدُوّ أجزاء كبيرة من الأراضي السورية وموارد المياه بها، ولم يطلق الإرهابيون رصاصة واحدة ضدّ جيش الإحتلال ولكنهم هاجموا محلات المنظمات الفلسطينية ولاحقوها حتى حدود لبنان…

كان لجهاز المخابرات البريطاني MI6 – بالإضافة إلى تركيا – دور هام في إعداد المليشيات الإرهابية وإعادة تأهيلها وتدويرها، وإظهارها في صورة القوة السياسية المُحْتَرَمة والجديرة بالثقة، وكانت روسيا تحاول الحفاظ على مصالحها بغض النظر عن طبيعة النّظام، خلافًا لإيران التي حاولت التّدخّل لإنقاذ نظام سوريا، منذ سقوط مدينة حلب، لكن الولايات المتحدة هددت بإسقاط الطائرات الإيرانية إذا عبرت الأجواء العراقية، فيما لم تتلق إيران ضمانات من الروس بشأن هبوط الطائرات الإيرانية في قاعدة حميميم الروسية، أو نقل المعدات العسكرية إلى الجيش السوري…

خلفيات الحرب بين 2011 و 2024

حدثت انتفاضات شعبية في العديد من البلدان العربية وغير العربية، لكنها اقتصرت على المظاهرات والإعتصامات، أما في سوريا ( كما في ليبيا) فأن الحرب لم تكن وليدة لحظة غضب شعبي أو انتفاضة داخلية أو ثورة شعبية، بل هي خطة مدروسة بعناية، كانت تنتظر اللحظة المناسبة لإطلاقها بهدف إسقاط الدولة السورية ( وليس النظام فحسْب)، وتفكيك الوطن والجيش وتشتيت الشعب وتجويعه من خلال الحصار و”العقوبات”، ضمن مخطط إعادة تشكيل المنطقة المعروف تحت إسم “مشروع الشرق الأوسط الكبير” وهو مشروع أمريكي/صهيوني، برز إلى العَلَن في بداية احتلال العراق، ويتم تنفيذ هذا المشروع الأمريكي الصهيوني بمساعدة تركيا عضو حلف شمال الأطلسي المحكومة من قِبَل الإسلام السياسي، وصهاينة العرب من أُمَراء النّفط الذين سلّحوا ومولوا المليشيات الإرهابية في البوسنة وأفغانستان والعراق ثم في ليبيا وسوريا، وهي قوى لا تهدف ” إرساء الديمقراطية”، بل تهدف انهيار الدّولة وتفتيت البلاد على أُسُس طائفية وتقويض وحدة البلاد وإلغاء الولاء للوطن أو الطّبقة واستبداله بالولاء للطائفة والعشيرة…

كان روبرت فورد، سفيرًا للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا من 2011 إلى 2014، وكشف خلال محاضرة في “مجلس العلاقات الدولية في بالتيمور” ( 12 أيار/مايو 2025) إن منظمة بريطانية “غير حكومية، متخصصة في حل النزاعات” طلبت منه سنة 2023 مساعدتها لتحويل هيئة تحرير الشام، فرع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية إلى منظمة سياسية، وتغيير صورة أحمد حسين الشرع ( أبو محمد الجولاني)، الذي ألقت عليه الولايات المتحدة القبض بصفته قائدًا بارزًا في تنظيم القاعدة في الموصل بالعراق سنة 2006 وأطلقت سراحه سنة 2011 بالتزامن مع انطلاق “الثورة” في سوريا، وأعن روبرت فورد إنه التقى بأحمد الشرع خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023 والثانية خلال شهر كانون الثاني/يناير 2024، وبعد سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق، وأعلن روبرت فورد إنه كان متردّدًا في البداية لدمج أحمد الشرع في الحياة السياسية، بسبب انخراطه منذ أكثر من عقْدَيْن في منظمات إرهابية، لكنه وافق على مخطط المنظمة البريطانية وساعد – باسم الولايات المتحدة – في إعادة تدوير الزعيم الإرهابي ومنظمته التي صنعتها ورَعَتْها الإستخبارات الإمبريالية وحلف شمال الأطلسي ( تركيا) وصهاينة العرب الخليجيين…

ساعد جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 هيئة تحرير الشام في السيطرة على سوريا، مع تغيير التكتيك الذي تم استخدامه في العراق، وأشرف جهاز (MI6 ) على تنظيم هجمات كيميائية عبر بريتون غوردون والخوذ البيضاء وآخرين وفي تثبيت بيادقه في دمشق، وتُشير تعليقات روبرت فورد إلى إعداد الإستخبارات الأمريكية والبريطانية خططا لتحل هيئة تحرير الشام محل سلطة حزب البعث، وفق موقع صحيفة “إندبندنت” بتاريخ 22 أيار/مايو 2025، ولولا موافقة بل دعم الولايات المتحدة لما سقطت سوريا، حيث قبلت تركيا والجولاني كل الشروط الأمريكية والصهيونية، بدون تحفظ: التنازل عن الجولان وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وقطع العلاقات مع إيران وحزب الله وعدم إعادة تسليح الجيش السوري مع تحديد سقف عدد أفراد الجيش بنحو مائة ألف، لا أكثر، وتفكيك أجهزة الدّولة والشرطة وتدمير مصانع الأسلحة وإنشاء إقليم خاص بالأكراد، كما في شمال العراق، رغم تَحفّظ تركيا على الحكم الذاتي للأكراد، لكن تركيا تنازلت لأنها ضمنت السيطرة على الحكم وأصبحت المخابرات التركية تُعيّن وتفصل الوزراءً والقادة العسكريين والأمنِيِّين والموظفين الحكوميين والإقليميين في المحافظات محافظين، وتم تدريب الجولاني وقادة النصرة ( هيئة تحرير الشام) على تنفيذ مخططات الإستخبارات البريطانية والأمريكية والتّركية، وامتثل للأوامر فرحّبت به سلطات الدّول الإمبريالية في أوروبا والولايات المتحدة وحصل على الدّعم الدّولي، خصوصًا بعد التزام الصمت خلال الغزو الصّهيوني لجنوب سوريا.