احذروا بأس اليمن.
أسماء الجرادي
من جديد، يطلّ علينا رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بتصريحات مرتجفة تجاه اليمن، محذرًا من ما سماه خطرٍ متصاعد، ورايةٍ لا تشبه بقية الأعلام، ومتوعدًا بأن كيانه لن يسمح لليمن بأن يشكّل تهديدًا. لكنه يجهل أن اليمن كان دائمًا أمةً تُرهب الطغاة، وتكسر الغطرسة، وتعيد رسم خرائط القوة في زمنٍ ظنّ فيه المستكبرون أن الشعوب تُهزم بالصواريخ.
منذ إعلان الحرب على اليمن، ظنّ المعتدون أن الأمر لن يستغرق سوى أيام. حشدوا أكثر من ستين دولة بقيادة السعودية، مدعومين بأحدث الأسلحة الأمريكية والبريطانية، وأطلقوا آلاف الغارات الجوية التي لم تفرّق بين طفل وشيخ، بين مدرسة ومستشفى، بين مسجد وسوق. ومع ذلك، صمد اليمن، وواجه، وابتكر، وضاعف قوته عامًا بعد عام. استشهد القادة، وعلى رأسهم الرئيس الشهيد صالح الصماد، لكن اليمن تحوّل من بلدٍ محاصر إلى قوة إقليمية تصنع سلاحها، وتدير معركتها، وتفرض معادلاتها.
في تصريحاته الأخيرة، عبّر نتنياهو عن قلقه من راية أنصار الله، واعتبرها تهديدًا وجوديًا لكيانه. ولم يعلم أن هذه الراية التي يخشاها هي عنوان مشروع تحرري يستمد جذوره من القرآن، ويستلهم نضاله من تاريخٍ طويل من المقاومة، وما لم يدركه نتنياهو ومعه وزير دفاعه، أن من يواجههم اليوم ليس مجموعة مقاتلين بإسم الحوثيين، إنما شعبٌ بأكمله يقف خلف مشروع التحرر، من كل المناطق والانتماءات.
أجيالٌ كبرت على جرائمهم، وتغذت على قصص الشهداء، وتشبعت بثقافة الوفاء، لن ترضى بالهوان، ولن تقبل أن يُمسّ شبرٌ من أرضها دون ردّ. فالأطفال الذين يحتفل العالم المنافق بيومهم العالمي، هم في اليمن من عاشوا الفقد، وعرفوا وحشية العدو، وينتظرون أن يكبروا ليثأروا لشهدائهم.
وجميعنا يعلم أن لا حل مع الكيان الصهيوني إلا بالمواجهة. أما السلام، فمعناه أن نسلّم بلدنا وشعبنا وقادتنا لهم ليقتلوننا. وما يجري في سوريا ولبنان من اعتداءات صهيونية بعد توقيع اتفاقات السلام هو أكبر دليل على ذلك. إسرائيل لا تحترم اتفاقًا، ولا تلتزم بمواثيق. حين تجد سببًا للقصف، تقصف. وحين تجد فرصة لإستهداف قائد، تستهدفه، كما فعلت اليوم الضاحية الجنوبية في لبنان من إستهداف القائد الكبير هيثم الطبطبائي وقبله حين استهدفت مخيم للاجئين الفلسطينين الذين كانو قد سلموا سلاحهم للحكومة اللبنانيه، وكذا في غزة كل يوم تقتل وترتكب الجرائم . فهي لا تردعها او توقفها اتفاقات ولا التزامات.
أما السعودية، فقد ظنّت أن أموالها ونفطها سيكفيان لشراء النصر لكنها لم تحصد سوى الخيبة، وأورثت نفسها ثأرًا لا يُنسى. فبعد أن فشلت في الميدان، لجأت إلى الخداع، فزرعت الجواسيس، وموّلتهم، رغم توقيعها اتفاق هدنة ظاهرها السلام وباطنها الغدر. فقد نسيت أن اليمني لا يُخدع، وأن الله لا يغفل عن الظالمين، فتكشّفت خيوط المؤامرة التي جمعت الصهيوني والأمريكي والسعودي، وهاهم اليوم يتآمرون من جديد، يخططون، ويجهّزون المعدات والأسلحة المتطورة، ويشترون الطائرات والقنابل والصواريخ، ويظنون أنهم سيقضون على اليمن بضربة واحدة. لكنهم يجهلون أن اليمني حين يُقصف، يقاتل، وحين يُستشهد مُقاتلٍ منهم، يولد من دمه ألف مقاتل.
فهم يراهنون على الحديد والنار، ونحن نراهن على القوي الجبار. يظنون أن الطائرات المتطورة ستمنحهم النصر، ونحن نعلم أن الله إن أراد، زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وأهلكهم في لحظة. فهل يُغلب من كان الله ناصره؟
اليمن ليس غزة، لكنه يحمل روح غزة. الفرق أن غزة محاصرة في بقعة صغيرة، واليمن يمتد على جبال شاهقة، وسهولٍ مترامية، وصحارى لا تنتهي. شعبه لا يبيت على ضيم، ولا ينسى ثأره، ولا يرضى بالذل. فكيف إذا كان العدو هو من أمرنا الله بجهاده؟ كيف إذا كان المعتدي هو من سفك دماء أطفالنا، ودمّر بيوتنا، وحاصرنا، وقتل نساءنا؟
إلى نتنياهو، وإلى كل من يقف خلفه من المجرمين نقول: احذروا اليمن، فإنها ليست كما تظنون. احذروا شعبًا لا يهاب الموت، بل يطلبه في سبيل الله كما تطلبون أنتم الحياة.
احذروا من أمةٍ لا تنسى ثأرها، ولا تفرّط في كرامتها، ولا تساوم على سيادتها.
