تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية كشف عن انخفاض “كارثي” في حجم التبرعات العالمية لصالح قطاع غزة، بسبب “اعتقاد عالمي واسع بأن أهالي القطاع لم يعودوا بحاجة للمساعدة.

ومن المهم أن نوضح بعض الأمور إزاء هذه النقطة الخطيرة.

أولًا أن هناك أعدادًا كبيرة جدًا من أهالي القطاع ستتضرر بشكل بالغ جدًا جراء هذا التراجع فالغالبية العظمى من الأسر إما فقدت مصادر رزقها، أو فقدت معه المعيل، ولم يبقَ سوى النساء أو الأطفال ليعيلوا من تبقى من العائلة، ولقد شاهدنا نماذج كثيرة على ذلك، وما لم نشاهده أخطر وأكثر مأساوية.

ثانيًا ربما يكون من الطبيعي أن تتراجع نسب التبرعات بسبب الاستنزاف الطويل الذي يتعرض له المتبرعون خلال عامين متواصلين من الحرب، وبسبب انتهاءها ثانيًا، لكن من غير الطبيعي أن تنخفض بنسب كبيرة جدًا في أول شهرين بعد الحرب مباشرة، وهذا بالتأكيد من خلفه عوامل عديدة.

ثالثًا لا يمكن أن نغفل دور البروباغندا الإسرائيلية في الترويج المكثف والمستمر لفكرة أن غزة يدخلها كل شيء وانتهت فيها المجاعة وأن أهلها يخدعون العالم، مدعومين بالمئات من الصور ومقاطع الفيديو التي يصورها رواد ونشطاء من غزة للمولات والمحلات الفارهة والتي بالتأكيد ستعطي صورة مغايرة لواقع الحال وستحرف النظر عن مئات الآلاف الذين يصطفون في طوابير أمام التكايا وسيارات المياه في الحيز الجغرافي الأكثر كثافة في العالم غرب الخط الأصفر.

رابعًا هذه التقارير تضع كل صاحب مبادرة ومتطوع لجمع التبرعات وممثلي الجمعيات والمؤسسات الخيرية أمام مسؤولية عظيمة أمام الله أولًا وأمام ضميره ثانيًا وأمام القانون والخلق والعرف بأن يتقي الله في توزيع ما يصله بطريقة تحفظ أموال المتبرعين وحقوق المكفولين بالمساعدة، وأن لا يتحول الأمر إلى وسيلة للتكسب.

خامسًا هناك مسؤولية على الأخوة النشطاء والصحفيين بمواصلة بث مشاهد المعاناة والمأساة الحقيقية عبر منصاتهم الشخصية ومؤسساتهم الإعلامية، وتكثيف الحملات الإعلامية التي توضح أن الحرب وأن توقفت مدافعها فمآسيها ما زالت تتفاقم وستتفاقم طالما أن الاحتلال يمنع دخول كل شيء يحتاجه القطاع للتعافي خاصة أصنافًا كثيرة من الطعام الصحي ومستلزمات الإيواء ومعدات الدفاع المدني والأدوية وغيرها.

في النهاية يعزّ على أهلنا الكرام الذين عاشوا في أفضل البيوت وأدفئها وكانوا يأكلون أفضل الطعام ويحيون أكرم حياة، أن تتخلى عنهم الأمة في زمن المعاناة كما تخلت عنهم في زمن الحرب، وهذه دعوة مفتوحة لأن تجدد الأمة جمعاء هممها لتسد هذا التراجع وتساعد المحتاجين وتكفل الأيتام والأرامل والمجوّعين، وهذه الدعوة تبدأ من الشعب الفلسطيني في الداخل والضفة والخارج ثم لكل شعوب الأمة.
محمد دلبح