الشعب الأردني ومخاطر ما بعد 7 اكتوبر!
جمال الطاهات
حصاد السنين
تؤكد التجربة التاريخية، البعيد منها والقريب، أن المستبد الفاسد وعائلته لن يدافعوا عن الأردن في وجه أي خطر. فالوطن بالنسبة لهم ليس إلا فرصة لينهبوه. فكما هربوا من مكة والمدينة، وخسروا البصرة وبغداد والموصل، وكما لم يدافعوا عن دمشق وحلب، تخلوا عن الضفة الغربية، وعن القدس، وسعوا فقط لإدامة حكمهم.
فبالرغم من أنهم ضموا الضفة الغربية والقدس عنوة، كمكسب سعوا إليه من نكبة الشعب الفلسطيني، والتي اعتبرتها جامعة الدول العربية وديعة لديهم ترد عند الطلب، إلا أنهم لم يكونوا معنيين بحمايتها، ولا العمل على استعادتها بعد احتلالها، او ردها لأصحابها، بل قدموها قرباناً للمشروع الصهيوني حتى يدعم بقاءهم في الحكم. فكما ضيعوا الضفة الغربية والقدس، لن يصونوا الأردن.
لن تدافع هذه العائلة عن إربد إذا ما تمادت إسرائيل وحاولت احتلالها، في إطار التقرب الاستراتيجي من دمشق. وسوف يتكرر مشهد لإحدى بناتهم تلقي البقج (التي قبضوا ثمنها من أهل الخير) على رؤوس اهل إربد المحاصرين كما فعلت مع أهل غزة. وعلى الشعب الأردني أن يبحث في خياراته والارتقاء لمستوى أقداره، كما فعل أجداده، لمواجهة التهديدات “الإسرائيلية” بعد أن يتحرر من أوهام وأكاذيب المستبد الفاسد وعائلته.
التهديدات والخيارات “الإسرائيلية” الراهنة
إن ما يجري إقليمياً وعالمياً، يؤكد على تآكل القيمة الاستراتيجية للمشروع الصهيوني. ولكن هذا جبهة مواجهة ستولد الكثير من الصدامات. فمن غير المتوقع أن تنطفئ إسرائيل استراتيجياً بشكل سلس وتلقائي، ودون مقاومة ودون صدام. ومن العقلاني “الجزم” بأن “إسرائيل” ستوظف تفوقها العسكري للحفاظ على قيمتها الاستراتيجية. فالقوة العسكرية المتفوقة لن تجلس (مؤدبة) تنظر إلى قيمتها تتآكل للحفاظ على رضى الآخرين الذين يقدموا لها بعض المكاسب الهامشية، بل ستبحث عن متنفس لها، وفضاء لفاعليتها. “وسوف” (رغم أن التوقعات الاستراتيجية تتجنب صيغ التأكيد)، تلجأ إسرائيل لاستعمال قوتها العسكرية لتجاوز مأزقها الاستراتيجي. من جهة أخرى، فإن ضعف الأردن وتداعيه، هو الذي يغري “المؤسسة العسكرية الإسرائيلية “للسعي لتجاوز مازقها على حساب شعبه.
وعليه يجب الاستعداد لمواجهة المغامرات الإسرائيلية، والتي ستقوم بالضغط على كل الجدران التي تحاصرها لتجد لها متنفساً. وعلى الشعب الأردني أن يتخلص من الحصار المفروض عليه ليمتلك الحد الأدنى من القدرة على ردع العدوانية “الإسرائيلية”
الحصار التاريخي المفروض على الشعب الأردني
تمكنت إسرائيل، بمساعدة المستبد الفاسد وعائلته، من محاصرة الشعب الأردني من ثلاث جهات، لتحييد فكرة الدولة التي تشكلت في مؤتمر امكيس. وأضلاع مثلث الحصار الذي تفرضه “إسرائيل” على الشعب الأردني عبر المستبد الفاسد وعائلته هي:
الأول: قدرات دفاعية ضعيفة وموارد بشرية وطبيعية ومالية مبددة ومنهوبة. إذ يقوم المستبد الفاسد وعائلته بالمتاجرة بأرزاق الجنود وسرقة وجباتهم، كما قاموا من قبل بنهب وتبديد صندوق طوارئ القوات المسلحة. كما يقوم المستبد الفاسد وعائلته منذ أجيال بتبديد الموارد البشرية عبر تهجيرها ومنع المؤسسات الوطنية من تطوير وتعبئة الموارد الطبيعية للشعب الأردني. يضاف إلى ذلك محاولة اخضاع الشعب الأردني عبر التلاعب بالموارد المائية وهي الضرورة الاستراتيجية المركزية لأي صيغة للتصدي للتهديدات الإسرائيلية.
والثاني: تشكيل سياسي مرتبك. حيث قام المستبد الفاسد منذ عشرينيات القرن الماضي، بتصفية كل جهود التشكل السياسي للشعب الأردني، عبر فرض حياة حزبية مشوهة، تزوير الانتخابات، والبطش بالأصوات الحرة، ومنع التشكل المؤسسي للدولة الأردنية. لنتذكر المعركة التي خاضها الشعب الفلسطيني ضد هذه العائلة ليسترد وجوده السياسي الموضوعي بعد نكبة عام 1948 وضم الضفة الغربية بالقوة لإخضاع الشعب الفلسطيني. وللحقيقة فإن استكمال التشكل السياسي للشعب الفلسطيني، يتطلب استكمال مشروع التشكل السياسي المستقل للشعب الأردني. فالتشكل السياسي المستقل والمتزامن لأي من الشعبين يمثل رافعة لتعزيز استقلال هوية الآخر عن العائلة العميلة، وذلك كشرط لمواجهة المشروع الصهيوني واحتوائه.
وضلع الحصار الثالث هو توريط الأردن بمغامرة لاستكمال ما تعجز العسكرية الإسرائيلية عن تنفيذه، وهو تصفية المقاومة الفلسطينية سياسياً. إذ أن سعي المستبد الفاسد وعائلته لتوريط الأردن بصراع مزدوج ضد المقاومة الفلسطينية، والحركة الإسلامية في الأردن، هدفه إبقاء الشعب الأردني والجغرافيا الأردنية رهينة للهيمنة الصهيونية لأجيال قادمة. تحرش المستبد الفاسد بالحركة الإسلامية في الأردن، وإطلاق كلابه المسعورة لمهاجمة المقاومة الفلسطينية ممثلة بحماس، له مؤدى واحد وهو تبديد طاقات الشعبين الأردني والفلسطيني، بمعركة لن يربح منها إلا المشروع الصهيوني والمستبد الفاسد وعائلته.
كسر مثلث الحصار
وما نيل المطالب بالتمني. فلا يمكن للشعب الأردني كسر مثلث الحصار إلا بمشروع واضح يتحول إلى “عتلة” تاريخية حاسمة، لا تقل حسماً عن تشكل فكرة الدولة في مؤتمر امكيس عام 1920. والمطلوب مشروع سياسي يحقق بشكل متزامن ومتكامل ما يلي: أولاً استرداد الهوية السياسية وتحقيق استقلالها الحاسم عن المستبد الفاسد وعائلته. وثانياً استرداد المؤسسات، لبناء أدوات القوة، وتحرير الموارد لتعبئتها بشكل صحيح، والثالث، عدم الانجرار خلف الخديعة الإسرائيلية التي ينفذها المستبد الفاسد وعائلته، وقوامها تصوير المقاومة الفلسطينية بأنها مصدر خطر على الأردن.
والمشروع المتكامل والذي يمكّن من كسر مثلث الحصار بشكل متزامن هو تحويل الأردن إلى جمهورية، لتكون هي عنوان الدولة الحقيقية الأردنية. مع التأكيد على توضيح ملامح الجمهورية الأردنية، لتمكين شعبنا من إنجازها بسهولة، ولمنع المستبد الفاسد وعائلته من نشر الفوضى والخراب. وهذا يتطلب الإجابة على أسئلة الدولة وعدم الأركان لأدوات التعبئة الأيديولوجية. ومن جهة ثانية لا بد من تطوير صيغة عمل ثوري قادرة على اشراك العاملين في مؤسسات الدولة، وخصوصاً الجيش والأجهزة الأمنية. فهذه المؤسسات، رغم ما لحقها من خراب، أغلب كوادرها من الخيرين من أبناء شعبنا. ومن الضروري منع المستبد الفاسد وعائلته من الاستفراد بالمؤسسات الوطنية.
كلمة أخيرة
حجم المخاطر ومصادرها وطبيعتها تقرر الاستجابة المطلوبة. وليس أمام الشعب الأردني إلا أن يبادر باسترداد مصيره عبر المباشرة بمشروعه التحرري كما فعل الأجداد بعيد الحرب العالمية الأولى، الذين اجتمعوا في مؤتمر امكيس، وقرروا انشاء الدولة، كإطار للتصدي للمشاريع الاستعمارية. والمطلوب الآن استرداد تلك الدولة من العائلة العميلة التي سرقتها، وإعادتها إلى فكرتها الأصلية وهي: بناء الأردن الحر المزدهر القوي القادر على التصدي للمشروع الصهيوني.
