هل يمثل ممداني أوباما آخر؟
ناصر قنديل
…
– فجأة تدفق سيل من المقالات التحذيرية من اعتبار فوز الشاب زهران ممداني في انتخابات رئاسة بلدية نيويورك علامة على تغيير ما يصيب أميركا، معتبرة أن ما يجري هو مجرد عملية مدروسة لتلميع صورة أميركا، والقول إن ديمقراطيتها يمكن الاعتماد عليها، وإن بمستطاع شاب مسلم من أصول هندية أن يصبح عمدة أهم مدينة أميركية، وربما عالميّة، أسوة بما حدث مع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض. وتربط التحذيرات بين الخديعة الأولى وما تسميه الخديعة الثانية، ويضيف البعض أن اللعبة مدبّرة من جماعة جورج سوروس، ويقول آخرون إنها لعبة مخابراتية للدولة العميقة، ويقول غيرهم إنها الماسونية تضرب مجدداً، والربط يقوم على توصيف تشابه مفترض بين أميركا التي كانت تتهاوى سمعتها بعد حربي العراق وأفغانستان وجيء بأوباما لإنقاذ سمعتها المتهالكة، وانهيار صورة أميركا بعد دعمها لحرب الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين ويفترض أنه جيء بـ ممداني لفعل المثل؟
– السؤال الأول لأصحاب هذه السردية، إذا كان التحذير من خديعة وصول باراك أوباما ترتبط بكونه سوف يصبح أو أصبح بعد انتخابه الرئيس الأميركي الذي يملك قرار الحرب والسلم في العالم كله، والوقوع في التفاؤل بوصوله إلى الرئاسة يعني تجميد أي خطاب مناوئ للسياسات الأميركية، وأي مقاومة للاحتلال الأميركي، والتوقف عن الترويج لمقولة اعتبار أميركا السند الدائم للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وسائر الأراضي العربية، والسند الدائم للحروب الإسرائيلية العدوانية، بوهم الاعتقاد أن أوباما كرئيس سوف يغيّر اتجاه السياسات الأميركية وينهي الاحتلال الأميركي، ويوقف دعم كيان الاحتلال وينصف الشعب الفلسطيني ويعترف بحقوقه ويعمل على فرض حلول تقوم على معادلة تستند إلى القانون الدولي والقرارات الدولية في منطقتنا، وثمن الوقوع في وهم الرهان هو دماء وحقوق ومستقبل شعوب، لكن بالمقابل ما هو الذي يمكن للمواطن العربي أو الشرقي أو أي ناشط بين شعوب العالم، أن يقع في فخه إذا اعتبر أن رئيس بلدية نيويورك الجديد نتاج تحولات نوعية وتاريخية في أميركا، وليس بيد رئيس البلدية فعل شيء يتصل بقضايا الصراع الذي تخوضه شعوب المنطقة وأحرار العالم بوجه السياسات الأميركية، وسقف ما يمكن رئيس بلدية نيويورك فعله هو الكلام، وقد بنى الناس موقفهم وقراءتهم على كلامه، وسوف يكون سهلاً عليهم تعديل موقفهم عندما يعدل كلامه، فمن يكون قد خُدع وبماذا؟
– السؤال الثاني هو أن ما نحن بصدده في تقييم ظاهرة ممداني يرتبط بوجود غيره رئيساً يملك قرار الحرب والسلم، وغيره هذا هو دونالد ترامب الذي تباهى أمام الكنيست بأنه مَن قدّم لكيان الاحتلال كميات ونوعيات غير مسبوقة من السلاح لقتل الفلسطينيين بلا رحمة وهنأ رئيس حكومة الاحتلال على استخدام هذه الأسلحة بكفاءة ومهارة في القتل والإجرام. وترامب هذا يعترف بتراجع مكانة “إسرائيل” في عيون الأميركيين، ويقول إنه كان في زمن يمكن لأي كلمة سوء بحق “إسرائيل” أن تنهي المستقبل السياسي لصاحبها، بينما اليوم يمكن لأي كلمة جيدة بحق “إسرائيل” أن تفعل ذلك، ويأتي انتخاب ممداني رئيساً لبلدية نيويورك يشكل مصدر قلق لهذا الرئيس وعلامة على حجم التحوّل الذي تحدث عنه ترامب واعترف أنه يخشاه، فما هو الضرر الذي يترتب على هذا الاستنتاج، والقول إن أميركا تُصاب بمزيد من التفكك والتآكل وإن مكانة “إسرائيل” فيها تفقد جاذبيتها، والأدلة التي تؤكد ذلك لا تقتصر على انتخابات بلدية نيويورك بل تتخطّاها بكثير؟
– السؤال الثالث هو هل يدخل الكلام بحق “إسرائيل” وتوصيفها بالدولة القاتلة المجرمة وتوصيف قادتها بمجرمي الحرب، يمثل جزءاً من مفردات المناورة المسموح بها وبنشرها كثقافة في اللعبة السياسية الأميركية، حتى يصحّ اعتبار الكلام الواضح والمتواصل لسنوات على لسان ممداني بحق “إسرائيل”، بأنه مجرد مسرحية لخداع الشعوب العربية والمسلمة، التي لم تخرج مظاهرة واحدة في بلدانها، وكأن مستقبل النظام في أميركا يتوقف على تهدئة الشعوب العربية المنتفضة والثائرة والتي تهدّد المصالح الأميركية والاحتلال الأميركي في البلاد العربية والمسلمة. ثم هل سمعنا أوباما يتلفظ بكلمة من كلمات ممداني بحق “إسرائيل”، أم الذين يقول البعض إنهم خُدعوا بأوباما هم في الحقيقة جماعة أميركا الذين وضع أوباما بين أيديهم خطاب الحوار لا أكثر، فقالوا لشعوبهم فلنمنح الرجل فرصة؟
– السؤال الرابع هو هل الوقائع المرافقة لانتخاب ممداني كمثل التحوّل لدى الشباب الأميركي والغالبية اليهودية في أميركا، ونيويورك نموذج عنها، كلها مسرحيّة لا أساس لها، وهل انتفاضات طلاب الجامعات الذين واكبهم ممداني، وآخر المحطات كانت قضيّة الطالب محمود خليل ومنع ترحيله، كانت كلها مسرحيّة وكل استطلاعات الرأي التي رافقت تظاهرات الدعم لغزة وفلسطين وشارك فيها عشرات الآلاف في بوسطن وشيكاغو وواشنطن ونيويورك كانت مفبركة، أم أن حرمان شعوب المنطقة والعالم
