لم يكن صمت حزب الله في الأسابيع الأخيرة ضعفًا، بل كان حسابًا دقيقًا يعيد ترميم الموقف وبناء التوقيت.

فمن يعرف مدرسة السيّد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) يدرك أن “الموقف سلاح، والمصافحة اعتراف”، وأنّ الصمت أحيانًا أشدّ وقعًا من الرصاص حين يُراد منه تثبيت المعادلة لا كسرها.

لبنان الذي يقف اليوم على حافة النار، ليس بحاجةٍ إلى صوتٍ مرتفع بقدر ما هو بحاجةٍ إلى وعيٍ عميق. فالمعادلة التي خطّها الدم في الجنوب لا تُفرَّط بها في جلسة تفاوض ولا تُحسم في منبرٍ سياسي. إنّ الصمت هنا ليس انسحابًا من المواجهة، بل قراءة هادئة لمشهدٍ يتغيّر، واستعدادٌ لجولةٍ أوسع تُحسم فيها الخيارات بوضوحٍ لا لبس فيه.

العدوّ الذي يراهن على استنزاف الموقف، يخطئ في فهم طبيعة هذه المقاومة. فهو يرى في الصمت فراغًا، فيما هو صبرٌ يراكم، وبناءٌ يُعاد هندسته في العمق. فالميدان لا يصمت، وإن هدأ. والسياسة لا تخلو من المعنى، وإن خفت الصوت. إنّها مرحلة ترميمٍ داخليّ، واستعادةٍ لمستوى جديد من الردع يوازن بين الحذر والهيبة.

لقد أثبتت التجارب أنّ كل ضجيجٍ سياسيّ لا يغيّر في الواقع شيئًا، وأنّ ما يصنع التوازن هو هذا الهدوء المشوب بالثقة. فحزب الله لا يتكلّم ليطمئن، بل ليحسم. لا يرفع الصوت ليبرّر، بل ليعلن ساعة القرار حين تحين.

وفي زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات المطالِبة بالتفاوض أو التهدئة، يبقى الصمت موقفًا واعيًا بحدّ ذاته. فالمصافحة التي حذّر منها السيّد عباس، تبدأ بالسكوت عن الحقّ وتنتهي بالتنازل عنه، أما صمت المقاومة فوجهٌ آخر للثبات، لأنه صمت من يعرف متى يتكلّم ومتى يضرب.

إنّ لبنان الذي يحميه هذا الوعي المقاوم لا يخاف من الصمت، بل من الكلام الفارغ.
فالمعركة لم تنتهِ، والجنوب ما زال يكتب معناه بالدم، والعدوّ ما زال يختبر صبرنا ظانًّا أنه ضعف، في حين هو التمهيد لعاصفةٍ لا تُعلن قبل أن تقع.

فليطمئنّ من ظنّ أنّ الهدوء نسيان، ولْيحذر من اعتقد أنّ الصمت استسلام.
فحين يتكلّم حزب الله، تكون الكلمة قرارًا… ويكون القرار فعلًا يغيّر الميدان.

ريما فارس