بيان مفتوح في سياق متصل: قراءة في توقيت الرسائل والتصريحات
بقلم:فاتنة علي،لبنان
لن نناقش هنا الرسائل التي احتواها البيان نفسه ، فذلك سيخصص له تقرير آخر ، بل سنفصل توقيت صدور هذا البيان وما انطوى عليه من إشارات مترابطة. إذا رتبنا الأحداث بكلمات دقيقة فسنجد تسلسلاً واضحًا: كلمة السيد علي خامنئي في الثالث من الشهر، تلتها كلمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في الرابع منه، ثم صدر عن حزب الله في لبنان بيان مفتوح في السادس منه. هذا التسلسل، إذا دلّ على شيء، فهو يدل على مدى الترابط بين ساحات المقاومة وعمق التواصل في خطّها السياسي والإعلامي.
أولاً: إيران واليمن — منبّهات واستعدادات
سجل خطاب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بمناسبة أسبوع الشهيد، تأكيدًا صريحًا على أننا «حتمًا سنقبل على جولة جديدة من المواجهة مع العدو». السيد الحوثي سرد واقع المنطقة وعرّج على حجم التشويه الذي تعرّضت له كل الجهات التي وقفت مع الشعب الفلسطيني طوال عامين من الإبادة، وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن بعدها حزب الله ثم اليمن. كما ذكر أن اليمن قد تمكن من تطوير قدراته وخبراته ، سواء العسكرية أو التقنية أو الشعبية على مستوى الوعي ، ما أسهم في إعادة بناء قوته تدريجيًا. هذا الخطاب لا يقرأ كتهويل، بل كتهيئة لأرضية المعركة المقبلة، وهو يضيء على مناخ عام يُفيد بأن المعركة ممكنة ومحتومة في وقتٍ ما ، وانها قادمة لا محالة.
ثانياً: سوريا والتسريبات — مشاهد بارزة لم تحظَ بما يستحق
قبل بيان حزب الله بأيام قليلة ظهر فيديو تحت شعار «أولي البأس المقاومة الإسلامية في سوريا»؛ مشهد لم يَتجاوز أسبوعًا قبل صدور البيان اللبناني المقاوم . كذلك تم التداول لبعض التسريبات أن «الرئيس الشرعي لسوريا هو الدكتور بشار الأسد» وظهرت بيانات لقوى وطنية سورية تؤكد على الثوابت، إلا أنها للأسف لم تحظَ بالتغطية الإعلامية المطلوبة. كما ذكرت هذه التسريبات أن هنالك اتصالات جرت مع الرئيس الأسد ومع قوى وطنية في الداخل السوري. هذه المشاهد والتسريبات تضيف بعدًا آخر لتعزيز فكرة الترابط الإقليمي، وتوضح أن الساحة السورية لم تكن هادئة بالمعنى السياسي الجوهري، بل ظلت تتحرك في الخلفية لتهيئة ما يمكن أن يحدث لاحقًا.
ثالثاً: حلقات متصلة — من حماس إلى تغريدات السيد خامنئي ثم بيان حزب الله
في المقابل، عرضت حماس فيديو يوضّح «خدعة الكيان» لمنع التجسس عليها أثناء تسليم جثت لأسرى اسرائيليين لديها، وهو فيديو يؤكد أن أطراف المقاومة تتعافى تدريجيًا وتستعيد بعض قوتها. أما تغريدات وافتتاحيات كبرى القادة، ومن بينها ما صدر عن السيد القائد علي الخامنئي في اليوم الوطني، فقد شكلت بدورها إشارة طمأنة لبيئات الحاضنة الشعبية. ثم يأتي بيان حزب الله المفتوح ليكسر الرواية الإعلامية التي رَوجت بأن «الحزب انتهى» أو أن «المقاومة الإسلامية في لبنان قد قُضِيَ عليها». البيان صدر بعد سلسلة انتهاكات وخروقات سجلتها قوات اليونيفل المراقبة في لبنان، والتي بلغ عددها 9,400 خرق. هذا العدد من الخروقات يُبطل بكل وضوح الدعاية التي حاولت تصوير المشهد عكس ما هو عليه.
رابعاً: الرد الإعلامي والرسائل الاستراتيجية
البيان اللبناني المقاوم لم يكن مجرد رد عاطفي؛ بل جاء ليُعيد ترتيب الصورة ويقول بصراحة: «نحن هنا، وقد استعدنا عافيتنا». كما جاء ليجيب على ادعاءات نتنياهو بأنه دمّر 70-80% من ترسانة الحزب؛ البيان يلغي هذه الأكاذيب ويفضحها. كما حمل البيان رسالة مفادها أن «صمتنا ليس عجزًا»، بل كان مدروسًا لإفساح المجال أمام الدولة لإثبات نفسها وتحمّل مسؤولياتها، وفي الوقت نفسه ليُحرج قوى محلية ودولية لطالما ادعت أنها قادرة على حماية لبنان عبر الدبلوماسية والاتفاقيات والقرارات، لكن الفترة الماضية أثبتت فشلها في ذلك.
خامساً: مؤشرات الحشد الإقليمي — العراق ومشهد المحور
هناك أيضاً تسريبات إعلامية تحدثت عن استعدادات للحشد الشعبي في العراق؛ وهذا، إلى جانب بقية المشاهد، يدل على أن المحور لا يزال باقياً، حاضراً، وقائماً. ما شهدناه في الفترات الماضية لم يكن سوى امتصاص لضربات قاسية وكسب وقت لإعادة الترميم؛ وعلى ما يبدو فإن استعادة القدرة كانت أسرع مما يتوقع العدو والخصم بل والصديق أيضاً.
كل ما سبق لا يهدف إلى إثارة الذعر أو التهويل، بل إلى قراءة واقعية لتسلسل رسائل ومشاهد سياسية وعسكرية وإعلامية مترابطة تشير إلى أن المنطقة تُهيّأ لجولة جديدة من المواجهة المحتملة. لا نقول إن المواجهة غدًا أو بعد غدٍ بالضرورة؛ قد تطول المدة أو تقصر، لكن المؤشرات تُثبت أن هناك تجهيزًا لأرضية معركة مقبلة. البيان جاء ليؤكد حضور محور المقاومة، ويطمئن الحاضنة الشعبية بأن المقاومة ما زالت قوية، وأن الصمت السابق لم يكن ضعفًا بل تكتيكًا، وفي الوقت نفسه ليُحرج من افترضوا بدائلاً عن المعادلة الميدانية.
إذا كان هناك درس ينبغي استخلاصه فهو أن الواقع الميداني والسياسي لا يُقاس بتصريحاتٍ منفردة أو حملاتٍ دعائية؛ بل يُقاس بتتابع المشاهد، والتنسيق بين ساحات الاقتدار، والقدرة على البناء السريع بعد الضربات.
القارئ الذي يتابع هذه التطورات بعينِ يقظة، يدرك بأن المسألة مسألة توقيت واستعدادات؛ أما النتيجة فستُحدّدها الموازين على الأرض ومدى قدرة الأطراف على ترجمة الخطاب إلى فعلٍ ميداني أو ضبطٍ دبلوماسي.

