من أموالنا يصنعون سلاحهم… ثم يبيعونه لنا!
بقلم: خالد علي
تمهيد — حضارات تُبنى هناك… وهوان يُرسّخ هنا
بين ترتفع ناطحات السحاب في نيويورك ولندن بدعم خليجي فخم، يتكدّس طلابنا على طاولات مكسورة وكتب ممزقة، وفي مدارس تُعلّم الحفظ قبل الفهم.
في مجتمعات يُكافَأ فيها من يحفظ ويُعاقَب فيها من يفكر، نصنع عقولاً تُهاجر بينما نصنع ثروات تُبنى عليها حضارات الغير.
من وارسو إلى وول ستريت، ومن بورصات الطاقة إلى مصانع الطائرات، يتدفق المال العربي ليكون رافعة لنهضة الغرب — بينما تبقى العواصم العربية حاضرة فقط في قوائم الإغاثة وقروض إعادة الإعمار بعد كل حرب.
فهل نحن أثرياء إلى هذه الدرجة لتمويل نهضة الآخرين؟ أم فقراء حتى نستورد خوذًا من مصانع نملك فيها حصصًا سيادية؟
النفط العربي… كاشير الغرب الفاخر
بحسب Sovereign Wealth Fund Institute (2024)، تجاوزت الاستثمارات السعودية في الشركات الأمريكية 820 مليار دولار، شملت الدفاع، الذكاء الاصطناعي، الطيران، الترفيه والطاقة.
في المقابل:
6 من كل 10 جامعات حكومية عربية مهددة بالإغلاق أو تقليص البرامج.
22 جامعة عربية أغلقت أقسامًا علمية خلال العقد الأخير (UNESCO 2023).
نستثمر في منصات ذكاء اصطناعي هناك… ونُهاجر العقول الذكية من هنا. بذلك يتحوّل النفط من “ثروة وطنية” إلى “وقود لنهوض الغير”.
بين الحماية والابتزاز: لماذا ندفع كل هذه الأموال؟
السؤال المحظور: هل هذه الاستثمارات ناتجة عن فائض حقيقي، أم عن ابتزاز باسم “الأمن الإقليمي”؟
الواقع: كثير منها لا يستند إلى رؤية تنموية؛ بل يدخل في صفقات حماية تحت شعارات الخطر الخارجي أو الداخلي.
نشتري السلاح والصمت… ونبيع القرار والسيادة.
نحن مموّلو مصانع السلاح… وضحايا فواتيرها
نشارك في تمويل مصانع طائرات (F-15، F-35)، ثم نشتريها بأضعاف قيمتها الأصلية. نُموّل مصانع ذخائر، ثم نُلزَم بعقود صيانة سنوية تُوقَّع أحيانًا قبل التسليم.
Brookings Institution (2023) وصف هذا بـ”التمويل الناعم لتفوق الغرب العسكري”. والأسوأ: نفس الترسانات قد تُستخدم لصالح قواعد أو دول في منطقتنا ضد شعوبنا ومقاوماتنا.
ضحك الغرب لا يُبث في الأخبار — يُدار بهدوء في غرف الأرباح، حيث تُحسب نسب العائد على “الجهل السيادي”.
جامعات في لندن… ومدارس بلا أسقف في صنعاء
IMF – World Economic Outlook (2024): أكثر من 14 مليار دولار موّلتها دول الخليج خلال العقد الأخير لمشاريع تعليمية في الغرب (كراسي بحثية في هارفارد، مختبرات في MIT، رعاية دكتوراه….)
بينما هناك:
اليمن: مدارس بلا سقوف.
سوريا: أطفال بلا كتب.
السودان: جامعات تُغلق بالجوع.
نرسل المال، فيعود إلينا على هيئة شهادات غربية تُعاملنا كـ”شركات تابعة”.
من زيتنا بُنيت مدنهم الذكية… فماذا بنينا نحن؟
كوريا الجنوبية بدأت من نفس الصفر وأصبح لديها صناعة سيارات، دفاع، وشرائح ذكية. مالِيزيا نَمَّت تعليمها لتنافس الغرب.
أما نحن فقد موّلنا: مدنًا ذكية في نيفادا، أحياء فاخرة في وارسو، ومراكز أبحاث تتحكّم في أمننا الرقمي.
أين “وادي السيليكون العربي”؟ أين جامعة تقنية سيادية؟ أين مدينة صناعية في المغرب الكبير؟
السؤال الجوهري: أهو غياب مال… أم إرادة؟
المال موجود؛ لكن الإرادة غائبة.
الصناديق السيادية تُدار كأذرع نفوذ خارجي، لا كأدوات تنمية وطنية.
لماذا لا نؤسس مدينة تكنولوجية؟ شبكة دفاع رقمي ذاتي؟ منظومة تعليمية صناعية؟ لماذا لا نعتبر التعليم والصناعة أولوية أمن قومي لا تقل عن الجيش؟
خيانة لا خطأ… واستثمار في التبعية
من يظن أن ما يحدث مجرد “سوء إدارة” فهو إما ساذج أو متواطئ. نحن لا نُخطئ… نحن نُعيد إنتاج العبودية بعقود أنيقة وتمويل فاخر.
حتى وول ستريت التي تبتلع استثماراتنا تضم شركات إسرائيلية مرتبطة بأنظمة مراقبة تُستخدم لقمع شعوبنا. Bloomberg (2024) أشار إلى أن نسبة كبيرة من شركات التكنولوجيا التي تستثمر فيها السعودية لها شراكات مباشرة أو غير مباشرة مع شركات إسرائيلية.
خاتمة: مبروك… لقد موّلتم احتلال أنفسكم!
صنعنا حضارة غيرنا ودفعنا ثمن تخلّينا عن بناء حضارتنا: موّلنا مصانع الصواريخ فدمّرت مدارسنا، دعمنا مختبرات الذكاء فأغلقت جامعاتنا، اشترينا الأسلحة ثم اشترينا الصمت بها.
إذا سُئلنا يومًا: “هل أنتم من العالم الثالث؟” نُجيب بلا وعي: “لا… نحن من وقود العالم الأول!”
“ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ”
اقتراح عملي… لمن بقي له أمل:
إنشاء هيئة شعبية مستقلة لمراقبة أموال الصناديق السيادية.
اعتبار التعليم والصناعة أولوية أمن قومي.
فرض نسبة إلزامية من كل استثمار خارجي لصالح مشاريع داخلية (صحة، تعليم، دفاع).
لن يكتب التاريخ حضارتنا ما لم نمولها نحن. ومن يترك ماله رهينة لغيره… يترك مصيره بيد عدوه.
 
                    