تُفتح الأبواب ويُكشف المُفرّطون في الأقصى

رقية حسين إسماعيل الدرب

تمرّ القضية الفلسطينية منذ عقود بمنعطفات خطيرة، ويظلّ المسجد الأقصى في قلب هذه القضية، رمزًا دينيًا ومقدّسًا وتاريخيًا ليس للفلسطينيين فقط، بل للأمة العربية والإسلامية جمعاء. ومع كل جولة تصعيد أو تهدئة، يتّضح أن الزمن لا يغفر، وأنه لا بد للحقائق أن تنكشف، وأن تُفتح الأبواب المغلقة لنعرف من ثبت ومن خان، من صمد ومن فرّط، ومن ضحّى بالأقصى لحساباته السياسية أو الشخصية.

المسجد الأقصى ليس فقط أولى القبلتين وثالث الحرمين، بل هو قضية مركزية تعبّر عن هوية الأمة وكرامتها.
من يفرّط فيه، يفرّط في دينه وتاريخه ومستقبله. ومع محاولات التهويد المستمرة، وبناء المستوطنات حوله، وتكرار الاقتحامات من قبل المستوطنين تحت حماية جيش الاحتلال، بات الأقصى في خطر وجودي حقيقي، لا يقبل التأجيل أو الصمت.
يطرح السؤال نفسه بقوة مع كل أزمة سياسية تمر بها القضية الفلسطينية.
هناك من يزايد إعلاميًا باسم الدفاع عن الأقصى، بينما يوقّع اتفاقيات تطبيع في الخفاء.
وهناك من يتاجر بالقضية ليعزز نفوذه، بينما ينسّق أمنيًا مع الاحتلال.
في المقابل، هناك من قدّم الشهداء، ومن رابط في باحاته، ومن حمَله في قلبه وفعله، لا في شعاراته فقط.
ومع مرور الوقت، تصبح الوجوه مكشوفة أكثر، وتسقط أوراق التوت.
فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، وكل من فرّط بالأقصى سيجد نفسه في قفص الاتهام الشعبي والأخلاقي.
من الواضح أن ما جرى في القدس ليس منعزلًا عن السياق الإقليمي، فكل تطور في المنطقة، من مفاوضات التطبيع، إلى تغير مواقف الدول الكبرى، إلى الخلافات العربية الداخلية، ينعكس على وضع الأقصى.
بل إن بعض الأنظمة باتت ترى في القضية الفلسطينية عبئًا سياسيًا، وورقة مساومة، بدلاً من كونها واجبًا دينيًا وأخلاقيًا.
فالسكوت عن الخيانة هو تواطؤ.
وفضح من باعوا أو صمتوا أو تحالفوا مع المحتل أصبح ضرورة لحماية ما تبقى من كرامة الأمة.
ليس الهدف من الفضح الانتقام، بل التصحيح، ولجم الانحدار، وحماية الأقصى من مزيد من التنازل.
ورغم خذلان بعض الأنظمة، إلا أن الشعوب لا تزال حية، تنبض بقضية الأقصى، وتعتبره رمزًا للحق والمقاومة. ومن خلال الوعي الشعبي، والإعلام الحر، والمنصات الجديدة، بات من الممكن توثيق وفضح كل موقف خائن، وكل تآمر صامت.

مع مرور الوقت، لن تنفع التبريرات، ولا الشعارات الجوفاء.
الأقصى سيبقى شاهدًا على من خانه ومن دافع عنه، ومن ارتضى المساومة ومن رفع راية الصمود.
ستفتح الأبواب، وستتكلم الحقائق، وسيعرف الناس من كان في صف الحق، ومن ارتضى الذل في حضرة قدسية الأقصى.

“التاريخ يكتب الآن، فلا تكن في صفحة العار وأنت قادر على أن تكون في سطر الشرف.”

كاتبات وإعلاميات المسيرة.