الغالبية العظمى من الناس يتساءلون :
هل ستعود الحرب على لبنان ؟؟!
في حين أن السؤال هو :
هل توقفت الحرب على لبنان وحاله حال غزة حيث الحرب مستمرة بوتيرة محدودة ومن طرف واحد وهو العدو ؟؟!
أما السؤال الواقعي هو :
ما هي آفاق هذه الحرب ؟؟
وهل من تسوية ما في الافق ؟؟!
وبأية شروط ؟؟
للإجابة الموضوعية على السؤال الأخير لا بد في البداية من تحديد طبيعة الحرب وغاياتها …
أولاً .. في طبيعة الحرب :
إنها حرب وجودية ولا تنتهي بتسوية ، على خلاف الحروب السابقة منذ تأسيس الكيان الصهيو/ني والتي كانت تنتهي بتسويات ضمن شروط وقواعد معينة تأمن تثبيت الوجود للكيان الصهيو/ني ، والبحث في الحدود على أساس القرارات الدولية ، والتي تستند بدورها على الخارطة السياسية للمنطقة التي رسمها الاستعمار البريطاني والفرنسي وما عرف باتفاقية سايكس-بيكو. وتبنتها عصبة الأمم والقوى المحلية السائدة في منطقتنا …
نتجاوز هنا العرض التاريخي لكل حرب ونتائجها منذ العام 1948 والى السابع من تشرين الأول 2023 باعتباره شعلة الحرب المستمرة إلى الآن …
يعتقد الغالبية من المحللين المحليين والدوليين أن السابع من تشرين(اكتوبر) 2023 هو بداية ، بغض النظر عمن يبررها أو يدينها ، لأن ما قبلها هو المسار الذي حتم وقوعها ، ولو لم تكن من غزة لكانت من الضفة ، لكن الظروف تختلف بين غزة والضفة باختلاف طبيعة القوى الفلسطينية السائدة في كل من المنطقتين …
في الواقع إن المسار الذي انطلق و أدى إلى انفجار هذه الحرب بدأ التخطيط له منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك “المعسكر الاشتراكي” ، وعملياً منذ العام 1993 ، بفك الارتباط بين القضية الفلسطينية مع القضايا العربية ، وانسياق “منظمة التحرير الفلسطينية” بوهم “الدولة” ، في حين كان المقصود هو تصفية القضية الفلسطينية بعزلها أولاً ، وإشغال الكيانات العربية بأولويات أخرى بحدود همومها الكيانية والداخلية …
وكانت الكيانات المعارضة تحت سيف التهديد والعقوبات والحصار الذي وبدأ بغزو العراق وضرب ونهب مقوماته ، ثم تونس ومصر وليبيا ولبنان وسوريا والسودان … ضمن مخطط واحد متعدد الوجوه والأدوات والأساليب ، تحت عنوان مركزي كبير وهو “الشرق الأوسط الجديد”….
وحقق هذا المخطط نجاحات كثيرة في كل الكيانات التي استهدفها … منها من أخضعها بالكامل ، ومنها من مانعت وقاومت فدفعها إلى الفوضى بتفكيك جيوشها وأجهزة إدارتها …
وكانت أكبر صخرة بمواجهة هذا المخطط تتمثل في سوريا التي أُخضعت لحصار محكم وعقوبات كبيرة غير مسبوقة منذ العام 2005 ، ومن ثم جرى تغجيرها من الداخل بحشد إرهابي عالمي ومساندة ودعم عربي واقليمي للمجموعات الإرهابية … مما أدى إلى استنزافها على مدى ١٤ عشر عاماً دون أن تتزحزح عن مواقفها وخياراتها .. وبقيت قيادتها حتى اللحظات الأخيرة قبل انهيارها على مواقفها رغم حجم الاستنزاف والذي طاول أهم ركائزها وعمودها الفقري المتمثل بالجيش العربي السوري بعد أن فقدت قيادته حافزية القتال بسبب خسارة أهم قياداته العقائدية ، وحل محلها قيادة موظفين احتلوا مواقعهم بفعل التراتب الوظيفي وكان من السهل اختراقهم وشرائهم او اخضاعهم بالتهديد …
هنا لم يتبقَ إلا المستهدفين بشكل مباشر لتصفية قضيتهم ، وهم القوى الفلسطينية المقاwمة ، ومن ساندها بشكل أساسي المقاwمة في لبنان ، والعراق نسبياُ لان المقاومة فيه مكبلة بقواعد “الدولة” بكونها جزء من المؤسسات العسكرية الرسمية في “الدولة العراقية” ، واليمن رغم بعده عن فلسطين استمر بالمساندة حتى إعلان وقف إطلاق النار وذلك لأن اليمن متحرر من المعيقات الداخلية …
هنا لا بد من الإشارة إلى أن طبيعة المقاومة في كل من فلسطين ولبنان واليمن وحتى العراق تختلف عقائدياً عن حركات المقاwمة السابقة ، وأبرز مميزاتها أنها لا تخضع ولا تستسلم مهما بلغت التضحيات …
وبالمقابل لم تعد القوة المفرطة قادرة على فرض شروطها لإنهاء الحرب لما من تداعيات استعمالها من أثر حرك الوضع العالمي والضمير الانساني في كل المعمورة ، ولم تحقق لقوى العدوان أهدافها الأولية بالخضوع والاستسلام ، ومن ثم تحقيق المشروع والمخطط الأساس : “الشرق الأوسط الجديد” الذي تعطّلت كل إنجازاته السابقة طالما بقيت قوى المقاومة حاضرة ، مهما بدا أنها ضعفت يدركه العدو الصهيواميريكي قبل الصديق ، وقادرة على ضرب أي استثمار للإنجازات السابقة وفي أي ميدان اقتصادي أو عمراني ، وقطع الطريق على أي فعل أو تعاون ملموس بين الكيانات الخاضعة والكيان الصهيو/ني ….
من هنا وصلت الحرب بتفاصيلها إلى طور الحرب الوجودية لا نهاية لها بأي تسوية ….
وبين الوجود المتجذر في التاريخ الاجتماعي ، والوجود الظرفي الدخيل على التاريخ .. النصر حتماً للوجود التاريخي الأصيل والمتجذر في هذه الأرض مهما بلغت التضحيات وعظمت قوة التدمير لدى العدو ومهما طال الزمن …
هذا فقط بما تؤشر له المعطيات المادية الملموسة .. إنما لو استعادت المقاومة زمام المبادرة ، وانتقلت من الدفاع والصمود إلى التصدي والهجوم لا شك أن الزمن سيُختصر كثيراً ، ولو بمزيد من التضحية والمعاناة ….
حسن عماشا
