أنهت الفصائل الفلسطينية في القاهرة، مساء أمس، سلسلة اجتماعات مكثفة ناقشت خلالها الخطة المصرية الرامية إلى بلورة موقف وطني موحّد استعدادًا للمرحلة الثانية من مفاوضات وقف الحرب على غزة، وسط غياب حركة “فتح” عن اللقاء الوطني الموسع، ما اعتبرته أوساط فلسطينية العقبة الأبرز أمام تحقيق التوافق الشامل.
وبحسب مصدر فصائلي شارك في اللقاءات، فإن مصر قدّمت ورقة تتضمن بنودًا متعددة هدفها التوصل إلى رؤية فلسطينية جامعة، تُمهّد لمرحلة تفاوضية جديدة مع الأطراف الدولية المعنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وأوضح المصدر أن الفصائل تعاملت بإيجابية مع المقترح المصري، وأصدرت بيانًا ترحيبيًا بخطوة القاهرة، لكنها في الوقت نفسه عبّرت عن استيائها لغياب “فتح” التي اكتفت بعقد لقاءات ثنائية، أحدها مع حركة حماس، وآخر بين سمير المشهراوي ممثل تيار الإصلاح الديمقراطي “تيار دحلان”، وحسين الشيخ من قيادة السلطة الفلسطينية ومركزية حركة فتح.
ويعود امتناع “فتح” عن المشاركة في اللقاء الوطني إلى تحفظات داخلية فتحاوية، قائلًا: “عدم مشاركة فتح في اللقاء الوطني يعود إلى تحفظات داخلية لم تُحسم بعد، بانتظار العودة إلى الرئيس محمود عباس، حيث تتركز هذه التحفظات حول شعور الحركة بغياب دور فاعل للسلطة في المرحلة الثانية، خصوصًا فيما يتعلق بإدارة قطاع غزة، إذ أن مرجعية لجنة الإسناد المجتمعي للحكومة في رام الله تقتصر على توفير غطاء سياسي فقط”.
في المقابل، ترى الفصائل وفق المصدر أن موقف “فتح” غير مبرّر، وأن غيابها يضعف وحدة الموقف الفلسطيني في لحظة حساسة، معتبرا أن “الهروب من المشهد لا يمكن أن يكون حلاً، والمطلوب هو تحمّل المسؤولية والمواجهة الموحدة في الميدان”، على حد تعبير المصدر. كما أشار إلى أن “فتح” تتحفّظ على المشاركة ضمن وفد وطني واسع يضم حماس، خشية أن يؤثر ذلك على مكانتها في العلاقة مع الجانب الأميركي خلال المرحلة الثانية من التسوية.
وقال المصدر الفصائلي، إن موعد الحوار الوطني الفلسطيني المقبل لم يُحدد بعد، نتيجة وجود قضايا ما زالت بحاجة إلى مزيد من البحث والنقاش بين الفصائل، موضحًا أن الجانب المصري أبلغ المشاركين بعزمه بذل جهود مكثفة خلال الأيام المقبلة لتقريب وجهات النظر قبل تحديد موعد جديد للقاء الشامل.
وأضاف المصدر أن المسؤولين المصريين أبلغوا الفصائل بأن “المرحلة الثانية من اتفاق غزة ستنطلق عاجلًا أم آجلًا، سواء تم التوافق الفلسطيني أم لم يتم”، مشيرًا إلى أن القاهرة حذّرت من أن استمرار غياب “فتح” عن اللقاءات يؤثر على وحدة الموقف الفلسطيني، الأمر الذي يستدعي المضي قدمًا في الحوار الوطني “لسحب البساط من تحت أقدام الإسرائيليين”، على حد وصفه.
وأوضح أن القاهرة أبلغت الفصائل بإمكانية استئناف التواصل خلال وقت قريب لعقد حوار وطني شامل، معربة عن أملها بألّا يتأخر ذلك كثيرًا، معتبرة أن سرعة عقد اللقاء تعتمد على “مدى الجدية الفلسطينية في هذه المرحلة الحساسة”.
وبيّن المصدر أن حجم التجاوب مع الجهود المصرية سيُحدد موعد اللقاء الوطني المقبل، “إما خلال أسابيع قليلة أو بعد أكثر من شهر”، لافتًا إلى أن الفصائل تدرك أنها “لا تملك رفاهية الوقت في ظل التطورات الميدانية والسياسية المتسارعة”.
وأشار إلى أن الفصائل قدّمت محددات استراتيجية للمرحلة القادمة، من أبرزها تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية عبر انتخابات تُجرى خلال عام واحد، وتشكيل حكومة توافق وطني تدير المرحلة الانتقالية إلى حين إجراء الانتخابات العامة.
وختم المصدر بالقول إن الفصائل اتفقت على رفض أي دور للقوات الدولية داخل قطاع غزة، مؤكدة أن مهام أي قوة أممية – إن وُجدت – يجب ألا تتجاوز حدود القطاع، لعدم فرض وصاية دولية على الشعب الفلسطيني.
وشاركت الفصائل بلقاء القاهرة على مستوى وفود من الصفّ القيادي الأول، ومنهم: خليل الحيّة عن حركة حماس، زياد النخالة عن الجهاد الإسلامي، جميل مزهر عن الجبهة الشعبية، علي فيصل عن الجبهة الديمقراطية، طلال ناجي عن الجبهة الشعبية-القيادة العامة، مصطفى البرغوثي عن المبادرة الوطنية، أيمن الششنية عن لجان المقاومة الشعبية، سمير مشهراوي عن تيار الإصلاح الديمقراطي. كما أصدر المجتمعون بيانًا ختاميًا عقب انتهاء اللقاء.
وبحسب البيان، فقد ناقش المجتمعون “المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب لوقف الحرب على قطاع غزة، في إطار التحضير لحوار وطني شامل يهدف إلى حماية المشروع الوطني واستعادة الوحدة بعد عامين من الحرب التي خلّفت دمارًا واسعًا وأوضاعًا إنسانية غير مسبوقة”.
وأكد البيان على أن “الوحدة الوطنية هي الرد الحاسم على السياسات الإسرائيلية”. داعيًا إلى اتخاذ الخطوات العملية لتجسيدها على الأرض، من خلال حوار شامل يعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
واتفق المجتمعون في القاهرة على خمس نقاط رئيسية، تشكّل خريطة طريق للمرحلة المقبلة، أبرزها دعم ومواصلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بما يشمل انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة ورفع الحصار عنه كليًا، وفتح جميع المعابر لإدخال المساعدات وبدء عملية إعمار شاملة تعيد الحياة الطبيعية للقطاع. كما تم الاتفاق على تسليم إدارة غزة إلى لجنة فلسطينية مؤقتة من المستقلين (التكنوقراط)، تتولى تسيير شؤون الحياة والخدمات بالتعاون مع الدول العربية والمؤسسات الدولية، في إطار من الشفافية والمساءلة الوطنية.
وتضمنت البنود أيضًا التأكيد على ضرورة حفظ الأمن والاستقرار داخل القطاع، والدعوة إلى استصدار قرار أممي بتشكيل قوات مؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، إلى جانب المطالبة بإنهاء جميع الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والتشديد على أن قضيتهم ستبقى في صدارة الأولويات الوطنية.
كما شدد المجتمعون على مواصلة العمل لتوحيد الرؤى والمواقف الفلسطينية عبر عقد اجتماع وطني شامل لوضع استراتيجية موحدة وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بما يضمن مشاركة جميع القوى والمكونات الوطنية في صياغة القرار الفلسطيني المستقل.
خاص شبكة قدس
