المقاومة روح الإسلام لا تُلغى ولا تعرف الانهزام.
طوفان الجنيد .
المقاومة: الروح التي لا تُساوم ولا تُستَسلَم.
ليست المقاومة مجردَ ردَّة فعلٍ على عدوان، ولا هي تكتيكٌ عسكريٌ عابر.
إنها الروحُ النابضة في جسد الأمة، والنَّسَمَةُ الإلهية التي تُحرِّك كينونتها.
إنها تجسيدٌ لـ “رُوحِ الله” في هذا الكون، تتَّحد فيها كل معاني القيم الإنسانية السامية، لتشكل منظومةً حضاريةً متكاملة، يلتقي عندها كل موحدٍ لله، مهما اختلفت مشاربهم وشاراتهم.
المقاومة: الماهية والامتداد:
إن حَصْرَ المقاومة في دائرة السلاح فقط، هو تشويهٌ لرسالتها وتقليصٌ لِأُفقها.
إنها حالةٌ وجودية تُحدِّد علاقة الأمة بوجودها، وصراعها مع “حزب الشيطان” بكل خطوطه وأدواته وأعوانه.
لذا فإن إلغاءها هو قتلٌ لإرادة الحياة في جسد الأمة، واستسلامٌ للفناء الحضاري.
أسلحة المقاومة: متعددةٌ لا متناهية:
المقاومة الممانعة، والجهاد في سبيل الله، كلها روافد تُغذي نهر الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر.
وأسلحتها ليست محصورة في نوع واحد:
1- مقاومة الطاغوت: وهي الأساس الذي تُبنى عليه كل أشكال المقاومة.
فالأمة التي لا تقوى على مواجهة الطغيان الفكري والسياسي والداخلي، كيف لها أن تواجه طغيان الأعداء؟ يقول تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55]. هذا الوعد الإلهي هو حجر الزاوية في مشروع المقاومة والاستخلاف.
2- سلاح الكلمة والبيان: فكلمة الحق في وجه سلطان جائر، والبيان الواضح، والشعر الصادق، والفن الأصيل، والإعلام النظيف – كلها صواريخ معنوية تُحطم الحصون في عقول الأعداء قبل قلوبهم، وتُضيء الطريق للأمة.
المقاومة وسلاح العصر: بين الفريضة والواقع:
لا غنى للمقاومة الفاعلة عن سلاحٍ حديثٍ متطور، يُرهب الأعداء ويُحقق الردع. وهذا ليس خياراً تكتيكياً، بل فريضةٌ إلهية واضحة: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
فالأمة التي تتخلى عن حقها في امتلاك سلاح المقاومة، أو تحاول نزعه من أيدي أبنائها، هي أمة تُقّدم روحها قرابين لوهم “السلام” مع العدو.
وهنا نوجّه كلمةً إلى الأنظمة التي تلهث وراء أوهام نزع سلاح المقاومة: اتقوا الله في شعوبكم، ولا تَلِغُوا في نارٍ ستُحرقكم قبل غيركم.
فسلاح المقاومة هو الخط الأحمر الذي يعبّر عن إرادة الحياة والكرامة، ومَن يعبث به فإنما يلف حبلاً من مشنقةٍ حول عنقه.
لماذا لا تعرف المقاومة الانهزام؟
سرُّ صمود المقاومة يكمن في عدة أمور استراتيجية:
· العقيدة الراسخة: إنها معركة إيمان بوعد الله، لا معركة موازين قوى مادية فقط. إنها ثقة بأن النصر من عند الله، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].
· سلاح الروح: فالصبر، والثبات، والتضحية، هي أسلحة لا تقل أهمية عن أحدث الطائرات، بل هي التي تُعطي السلاح المادي قيمته وتوجّهه.
وهي أسلحة لا تُشترى ولا تُصنع في المصانع.
· الفكرة الخالدة: يمكن هزيمة جيش، ولكن من المستحيل هزيمة فكرةٍ تتحول إلى عقيدة في النفوس.
المقاومة فكرةٌ مستمدة من روح الله، والله غالب على أمره.
المقاومة: مشروع التنوير والاستنهاض:
جوهر المقاومة الحقيقي هو تنوير العقول واستنهاض الهمم، وإيقاظ الأمة من سباتها لمواجهة مشاريع الاستكبار العالمي. إنها ليست حركة دفاعية فقط، بل هي مشروع تحرري شامل، يهدف إلى استعادة الأمة لدورها وكرامتها واستخلافها في الأرض.
خاتمة: الروح التي لا تموت:
لقد حاول أعداء الأمة عبر التاريخ قتل هذه الروح بكل وسائل الترهيب والترغيب والتشويه، لكنهم فشلوا وسيفشلون.
لأن هذه الروح مستمدة من وعد الله، ومتجددةٌ بتنزله. تظهر في فلسطين، وتبرز في العراق ولبنان، وتتألق في اليمن، وتسكن في كل قلبٍ يقرأ قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].
فهي روحٌ متجددة، تنتقل من جيل إلى جيل، من قلب إلى قلب.
ستظل المقاومة هي الروح التي لا تُلغى، والمعنى الذي لا يعرف الانهزام، والشعلة التي لا تنطفئ، حتى يتحقق وعد الله بالنصر والتمكين.
