توماس برّاك… لو تقبل التحدّي؟
بقلم:ناصر قنديل

من مراقبة بسيطة لنمط عمل كل الدبلوماسيين الأميركيين، القائم على تجميل الهزيمة وتسخيف الكرامة الوطنية، ونثر الوعود الكاذبة، والتنصل من التعهدات، نكتشف أن لا جدوى من تفنيد الأطروحة وتفكيك نقاط ضعفها، رغم سهولة ذلك، لأن الذين يصفقون لك سيد برّاك فتزهو بعبقرية ما كتبت، ليسوا معجبين بما تقول، وهم صنفان، صنف خائف على منصب أو من عقوبات، وصنف طامح بمنصب أو بامتيازات، وإلا كيف يعجب عاقل وشخص طبيعي وسويّ أخلاقياً، برئيس مثل رئيسك وقف يتباهى أمام الكنيست بما قدم من سلاح لا يعلم أسماء بعض أنواعه، لكنه يعلم أنها تستخدم في قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ، ويعلم أنه يتحدّث عن لحمنا ودمنا، كما يعلم المعجبون به من أبناء جلدتنا.
في منشورك على منصة اكس، تقدّم النصائح، وتوجه التحذيرات، وتطلق التهديدات، وتقدم تحليلاً للسيناريوهات، وجوهر ما تقوله واضح وهو أن على لبنان أن ينزع سلاح حزب الله إذا أراد أن يتفادى الخيار الأسوأ، وهو الحرب الإسرائيلية التي تقول إنها قادمة قبل الانتخابات، وإن نزع سلاح حزب الله يفتح أمام لبنان طريق ضمان السيادة والاستقرار والازدهار، وتقول إن المطلوب هو التفاوض بين لبنان و”إسرائيل” لصياغة اتفاق يحفظ المصالح المشروعة المتبادلة، وفي كل كلمة تطلقها فخ اختبرناه من قبل واكتشفنا سوء النهايات، وقد جربنا المفاوضات، وجربنا الاتفاقات، وجربنا الوعود والضمانات، وسمعنا الكثير من التعهدات، وأنت تعتقد أنك تكتشف البارود وتدعونا إلى اختبار وصفة جديدة، كما يفعل سمسار العقارات عندما يحمل خريطة مزورة لطريق سوف يمرّ قرب العقار الذي ينوي بيعه، أو مجمع سياحي سوف يشاد بقربه، ليفتح شهية المشتري على صفقة العمر والأرباح الخيالية التي سوف يجنيها من الصفقة، ولا ينتبه أن المشتري قد رأى خرائط مشابهة بأيدي سماسرة مشابهين كلما تفاوض على شراء عقار مشابه.
اتفاق التنقيب عن الغاز من البحر قائم وممنوع من الصرف، ووعد استجرار الغاز من مصر عبر الأردن نائم ولم ينفذ منه حرف، واتفاق وقف إطلاق النار، واتفاق 17 أيار، اعلم أن الرئيس أمين الجميل قبل ستة شهور من اضطراره إلغاء الاتفاق تحت ضغط الانتفاضة كان في واشنطن يشكو عدم تنفيذ “إسرائيل” موجباتها وفق الاتفاق عندما قرّرت الانسحاب من الشوف وعاليه ولم تسلم الجيش اللبناني المناطق التي انسحبت منها، وكل ما ذكرناه وسواه وعود واتفاقات وضمانات موقعة من رؤساء ووزراء وسفراء أميركيين. ولعله من المفيد التذكير أنه في مفاوضات انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت شيء شبيه بما تدعو إليه اليوم، حيث قدمت ضمانات رئاسية أميركية باسم الرئيس رونالد ريغان عبر الموفد الشخصي سلفك من أصل لبناني أيضاً فيليب حبيب، تقول بأن الجيش الإسرائيلي لن يدخل إلى بيروت وأن الفلسطينيين في المخيمات لن يمسّهم سوء إذا سلّم السلاح، وفي المرتين ضمانات أميركيّة لتسهيل إلقاء السلاح، وكانت النتيجة أن “إسرائيل” دخلت بيروت وأن سلاحاً يحظى بالرعاية الإسرائيلية أو يستفيد من إلقاء السلاح، ارتكب مجازر صبرا وشاتيلا؟
لذلك لن نضيع الوقت في النقاش وندعوك لقبول التحدّي، حيث يصبح النقاش بالأفعال لا بالأقوال، وما دام قرار التفاوض وقرار نزع السلاح لا يبدو متيسّراً في لبنان بسهولة، وربما دونهما خطر حرب أهليّة، وأنت تحبّ تجنيب لبنان هذه الاختبارات القاسية والمؤلمة، حفاظاً على سمعة الـ “دي إن إي” الذي يجري في عروقك، فثمّة طريق سهل وسلس لحسم أمر التفاوض ونزع السلاح بلا كلفة على دماء اللبنانيين يا حامل الـ”دي إن اي”، وهذا الطريق يمرّ بسورية التي ترعى أنت شخصياً حكمها الجديد والرئيس المؤقت له، وتشيد بتعاونه وفهمه المتفوّق على الفهم اللبنانيّ القاصر للمتغيّرات، وهذا الحكم مثلك محظيّ في تركيا ودول الخليج القويّة والغنيّة، كما يقول رئيسك، والتي تقول لنا أنت إنّها لن تساهم في إعادة الإعمار إلا إذا سحب السلاح، وكل هذه الميزات تجعل سورية الجديدة في وضع تفاوضيّ أفضل من لبنان، بينما أمرها سهل، فليس عليك إقناع أحد بقبول التفاوض، فهم قابلون وهم يفاوضون منذ شهور، ولا عليك إقناع أحد بنزع سلاح المقاومة، فهم نزعوا المقاومة كلها وأعلنوها عدواً مشتركاً لهم مع “إسرائيل”، أما السلاح فتركوه تأكله نيران القصف الإسرائيلي حتى تمّ تدميره عن بكرة أبيه، وهذا يمنحك الفرصة لتجعل الإنجاز السوري التفاوضي مثالا يُحتذى في كيف تستعاد الأرض، وتحفظ السيادة، وتتوقف الاعتداءات وتحترم الأجواء.
التحدي بسيط جداً سيد برّاك ، أن تنجح المفاوضات السورية الإسرائيلية، بما هو أقل من استعادة الجولان السوري المحتل وفق كل المواثيق والقوانين وقرارات الأمم المتحدة، والذي وافق رئيسك على تقديمه هدية لـ”إسرائيل” إرضاء نزوة امرأة حيّاها في جلسة الكنيست الإسرائيلي، الحكم الجديد في سورية يؤمن مثلك بالواقعية العقارية، وموافق بواقعية على اتفاق يعيد العمل

باتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974 ولا يطلب أكثر من انسحاب الاحتلال من جبل الشيخ والمنطقة العازلة، ووقف التوغّل والتمدد في محافظات الجنوب السوري، التي أعلنها الإسرائيلي منطقة أمنية، واحترام سيادة سورية على أجوائها، فهل تستطيع أن تحقق لسورية في ظروف أفضل، ما تعد بتحقيق أكثر منه للبنان في ظروف أشد تعقيداً، أم أنك سوف تفشل، أم أنك سوف تضغط على سورية لتقبل بما يذلها وينتهك سيادتها ويضيع أرضها، نحن ننتظر لنر النتيجة، وصدّق أننا نتمنى أن نشهد معجزاتك سيد برّاك كي نقتنع أنها وعود صادقة لا خرائط مزورة يستخدمها السمسار العقاري لتسهيل الصفقة!
.
لو تقبل التحدي لعلك ترتاح وتريحنا!