في الوقت الذي يعيش فيه الجنوب اللبناني، لا سيما القرى الحدودية، تحت نيران الاعتداءات اليومية من الاحتلال الإسرائيلي، يعيش أبناؤه في أرضهم المدمّرة وبيوتهم المتصدعة، لا يحملون سوى إرادة الصمود وزرع الأمل في تربة الوطن.
هؤلاء لم ينتظروا كثيراً؛ فمنذ توقف العمليات العسكرية عادوا ليحرثوا الأرض، يرمّموا ما يمكن ترميمه، ويبنوا ما استطاعوا إليه سبيلاً. لكن الغريب، والمخجل في آن، أن الدولة اللبنانية لم تبادر حتى الآن، لا بكلمة “مرحباً، ولا بخطة إغاثة أو دعم جدّية كما قال دولة الرئيس نبيه بري.
في خضم هذه العودة الشجاعة، أطلقت وزارة الزراعة مشروعاً طموحاً بعنوان GATE (Green Agri Transformation for Economic Recovery)، بتمويل من البنك الدولي بقيمة تقارب 200 مليون دولار أميركي، وهو يهدف إلى دعم المزارعين اللبنانيين وتحفيز الاقتصاد الزراعي، عبر تقديم الدعم التقني والمالي واللوجستي لشريحة واسعة من المزارعين، بما في ذلك تمويل مشاريع إنتاجية صغيرة ومتوسطة، وهو مشروع استراتيجي عمِل وزير الزراعة السابق الدكتور عباس الحاج حسن جاهداً من أجل تحقيقه، وها هو اليوم يبصر النور على يد الوزير النشيط الدكتور نزار هاني.
وفق ما أعلنته الوزارة، يُركّز المشروع على تعزيز سلسلة القيمة الزراعية، دعم الممارسات المستدامة، وتطوير البنية التحتية الريفية الزراعية، كما يتضمن تقديم مساعدات مباشرة للمزارعين ومربّي المواشي، إضافة إلى تطوير آليات التسويق والتصدير، وهو بلا شك مشروع وطني بالغ الأهمية.
لكن، أين الجنوب من هذا المشروع؟
هل يُعقل أن تُبنى رؤية وطنية للتنمية الزراعية من دون تخصيص أو تمييز إيجابي للجنوب اللبناني الذي يتعرض بشكل يومي لأشرس أنواع الحصار العسكري والنفسي والاقتصادي؟
هل من المنطقي أن يُنظر إلى الجنوب كما يُنظر إلى مناطق تنعم بالأمان والاستقرار؟
أليس من البديهي – والأخلاقي – أن تُمنح المناطق الحدودية، التي تشكّل خط الدفاع الأول عن لبنان، أولوية استثنائية في الدعم الزراعي والإنمائي؟
من غير المقبول أن يتم تجاهل القرى الجنوبية الحدودية من الاستفادة الحقيقية من مشروع GATE، في حين أن أبناءها يخاطرون يومياً بحياتهم من أجل حماية الأرض، بل ويقومون بزراعتها في ظروف أشبه بالمستحيلة.
إن ما يطلبه أبناء الجنوب ليس منّة من أحد، بل هو حقهم المشروع أن يكونوا على رأس المستفيدين من أي مشروع زراعي أو تنموي يُطلق في لبنان، لا سيما حين يكون مموّلاً من جهات دولية، وتحت عنوان “التعافي الاقتصادي”، لأن من لا أمان له ولا استقرار، لا يمكن أن يتعافى من دون دعم مباشر.
على أمل أن تضع الحكومة اللبنانية سلسلة من الإجراءات الحقيقية في آليات الإنماء المتوازن المعتمدة، بالإضافة إلى جدول أولويات وطنية للنظر في آلية التوزيع والاستهداف، وأن يُنصفوا أبناء الجنوب.
فهؤلاء لا يطلبون امتيازات، بل الحد الأدنى من العدالة والاعتراف، بأنهم – رغم كل شيء – ما زالوا في الصف الأول دفاعاً عن لبنان… وزراعته.
عبدالله ناصرالدين-الميادين