– كثيرة هي الفرضيات التي وضعت قيد الاختبار في هذه الحرب، فرضيات سكنت عقول الأميركيين والإسرائيليين وفرضيات آمن بها قادة المقاومة إلى درجة تحولها إلى مسلمات، أهمها على الضفة الأميركية الإسرائيلية فرضيتان، الأولى أن ما تم إعداده وتحضيره من قدرات تكنولوجية وعمليات استخبارية لجهة القدرة على تدمير مقدرات رئيسية لدى قوى المقاومة بما فيها مقدرات بشرية نوعية وصولاً إلى قتل القادة، وخصوصاً اغتيال السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين والقائدين يحيى السنوار ومحمد ضيف، بالإضافة إلى قادة سياسيين وميدانيين محوريين في بنية قوى المقاومة مثل القائد اسماعيل هنية وقادة قوة الرضوان في لبنان، سوف يتيح مع رفع كلفة الحرب على البيئة الحاضنة للمقاومة خصوصاً في لبنان وغزة، وفي ظل ضمان صمت عربي إسلامي مشفوع بالرضا عن إنجاز “إسرائيل” لمهمة تصفية قوى المقاومة، بالإضافة لما سوف يحققه إسقاط النظام في سورية، بما يترتب على هذا السقوط من تداعيات معنوية ومادية على قوى المقاومة، تشكل عناصر كافية لتصفية المقاومة وسحقها أو دفعها للاستسلام. وهذه الضربات التي أنفق عليها أميركياً وإسرائيلياً مال وفير وجهد كثير ووقت طويل تبدو غير قابلة للتكرار، وقد تبين سقوط هذه الفرضيّة، بالرغم من حجم الأذى الذي لحق بقوى المقاومة، ذلك أن هذه القوى تمكنت من مواصلة حضورها وإعادة تجديد بنيتها والصمود والاستعداد لجولات لاحقة.
– الفرضية الأميركية الإسرائيلية الثانية التي تم اختبارها، وهي فرضية تم تأجيل اختبارها لعقود، حتى توافرت بنظر واشنطن وتل أبيب شروط نموذجية لتفعيلها، والمقصود الحرب على إيران، وقد ظهر أن ما تم إعداده لهذه الحرب أمنياً ولوجستياً وتكنولوجياً كبير جداً، وقد امتد لسنوات من التحضير واستند الى تداعيات مفترضة للضربات التي تلقتها قوى المقاومة، خصوصاً اغتيال السيد نصرالله وسقوط سورية، وكانت الأجوبة الافتراضية المتصلة بسيناريو الحرب تقوم على الاعتقاد بالقدرة على تعطيل قدرة الصواريخ الإيرانية وفعالية الدفاعات الجوية في التعامل معها، من جهة، وعلى حتمية انطلاق حراك شعبي وأمني وسياسي داخلي في إيران مع الضربات التي يتلقاها نظام الجمهورية الإسلامية في أيام الحرب الأولى بما يكفي لزعزعة الاستقرار وإطلاق ديناميكية تفتح طريق إسقاط النظام، أو على الأقل وضع اليد على جزء من الجغرافيا الإيرانية من قبل أطراف من المعارضة، وجاءت الوقائع التي حملتها الحرب تثبت فشل هذه الفرضية ورهاناتها بصورة مريعة، حيث ظهر تماسك الداخل الإيراني كورقة قوة إيرانية بمثل ما ظهر أن قدرة إيران على مواصلة إطلاق الصواريخ وإصابة أهداف موجعة لـ”إسرائيل” وتجاوز القبب الحديدية مخالف لكل التقديرات والحسابات.
– أظهرت الحرب لأميركا و”إسرائيل” وربما لبعض قوى المقاومة وجمهورها مفاجأة لم يتم التحسب لها كفاية، ولا وضعت الخطط لكيفية تحييد فعلها أو إخراجها من المعادلة، والمفاجأة هي اليمن، الذي ظهر قوة بحرية مقتدرة خارج إطار كل التوقعات، وقدرة تكنولوجية استثنائية، وبنية قتالية صلبة وبيئة شعبية واعية وملتزمة وحاضرة لتحمل التضحيات، وشكل صمود اليمن وثباته شعباً وقوات عسكرية وقيادة على خيار إقفال البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية، والانتصار على البحرية الأميركية في منازلة استراتيجية تصلح للتدريس في كليات الحرب، بينما شكلت الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية مع القدرة على تظهير نسخ جديدة متطورة منها وأجيال متفوقة على الدفاعات الجوية الأميركية والاسرائيلية، سبباً في إفشال خطة الأميركيين والإسرائيليين في جعل الداخل الإسرائيلي بمنأى عن أثمان الحرب على غزة، وكان الفضل لليمن بثنائية مساهمته بحراً وجواً في تحريك جبهة داخلية إسرائيلية وصلت إلى إخراج مليون متظاهر يطلبون وقف الحرب، فشلت قضية الأسرى في إخراج 10% منهم، بحيث صار استمرار الحرب على غزة سبباً في نزيف سياسي داخلي متعاظم داخل “إسرائيل”.
– مقابل هذه الفرضيات الأميركية والإسرائيلية التي اختبرت وسقطت، وتصعب إعادة تصنيعها في مدى زمني قريب لتغيير نتائج الحرب، والمفاجأة التي مثلها اليمن وبقيت خارج الحسابات الأميركية الإسرائيلية والقدرة على تعطيلها، ثمة فرضيّات كان يؤمن بها قادة المقاومة ويبنون حساباتهم على أساسها جرى اختبارها، وثمة مفاجآت أظهرها الحلف الأمريكي الإسرائيلي غيّرت معادلات، ولم تكن في دائرة التوقعات، فرضية أولى تتصل بقدرة الردع، وفرضية ثانية تتصل بإمكانية خوض أميركا و”إسرائيل” حرباً بهذه الوحشية وعلى مدى سنتين متواصلتين، دون أن يتحرّك الوضع الدولي بحثاً عن تسوية ودون أن يتفاعل الوضع العربي والإسلامي حكومات وشعوباً، بصورة تفرض تغيير المشهد، وكانت المفاجأة الكبيرة لقوى المقاومة والتي لا تزال تفاصيلها أقرب الأحجية، وهي سقوط سورية، في الحلقة القادمة سوف نفحص الفرضيتين ونتحدّث عن المفاجأة.
أ.ناصر قنديل