غضبٌ لا يُترجم، وقراراتٌ لا تُنجز، ودماءٌ تُسفك تحت أنقاض الكلمات. هذا هو المشهد الذي يتكرر أمامنا: منابرٌ تفيض بالإدانات، وبياناتٌ تتلوها القمم، بينما الواقع يزداد نزفًا، والضمير العالمي يختبئ خلف ستار الدبلوماسية.

في زمنٍ تُستبدل فيه الأفعال بالتصريحات، تصبح القمم الطارئة مجرد طقوسٍ سياسية لا تُغيّر شيئًا. تُعقد الاجتماعات، تُصاغ البيانات، تُرفع الأصوات، لكن لا شيء يتحرك على الأرض سوى الجنازات. فهل تكفي الكلمات حين يُزهق الإنسان؟ وهل تُجدي الإدانات حين تُنتهك الكرامة؟

الواقع يقول: لا. لأن النظام الدولي، رغم زخمه، يعاني من هشاشة بنيوية تمنعه من حماية الأبرياء. آليات الضغط محدودة، والمصالح تتفوق على المبادئ، والمؤسسات الدولية مكبّلة بقيودٍ قانونية وسياسية تجعل من قراراتها صدىً لا يُسمع إلا في قاعات المؤتمرات. أما على الأرض، فالحقيقة دامغة: ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بها، أو بتوازنٍ جديدٍ يعيد للعدالة مكانتها.

حين تفشل أدوات السلام، لا يبقى أمام الشعوب سوى أن تُعيد تعريف الفعل. لا يعني ذلك تمجيد العنف، بل فهمه كخيارٍ اضطراري حين تُغلق كل الأبواب. فالتاريخ لا يرحم من اكتفى بالصمت، ولا يُنصف من اكتفى بالكلام.

الصمت، في وجه القتل، خيانة. والحياد، في زمن المجازر، جريمة. لذلك، فإن مسؤولية الشعوب والفاعلين المدنيين لا تُختزل في التنديد، بل في التحرك: عبر المقاطعة، والضغط الإعلامي، والفضح القانوني، وتحشيد الرأي العام العالمي. فالكلمة التي لا تُترجم إلى فعل، تفقد معناها، وتتحول إلى خيانة أخرى.

إنها دعوةٌ مفتوحة لكل من يملك ضميرًا حيًّا: لا تتركوا الفعل للدبلوماسية وحدها. فالكفالة الدولية ليست شعارًا، بل منظومة أدوات يجب تفعيلها بإرادةٍ شعبية لا تعرف التراخي. المطلوب اليوم ليس فقط أن نُدين، بل أن نُجبر العالم على أن يسمع، أن يرى، وأن يتحرك.

في النهاية، تبقى الحقيقة التي لا تُمحى: ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة أو بتوازنٍ جديدٍ يضع الإنسان في قلب المعادلة. الصمت خيانة، والقول وحده لا يكفي. فلنُحرّك جنود الضمير، لأن مدد الإنسانية لا يأتي إلا من أهل الحق، ومن كل من يرى في كرامة الآخر واجبًا لا يُمسّ.

فاتنة علي-لبنان