لماذا تخرس الحكومة عن سؤال من يحمي لبنان؟
السبت 2025/08/09
.
تبذل الحكومة ورئيسها جهداً استثنائياً لحرف النقاش حول قرارها بسحب سلاح المقاومة عن مساره الحقيقيّ، ولذلك تبذل جهدها لإغراق النقاش بمستندات وأسباب دستورية وقانونية تؤكد أن الدولة تمارس حقاً مشروعاً، وأن الوثائق الوطنية والأممية والدولية التي تناولت أمر السلاح نصّت على حل نهائيّ لا يكون فيه إلا سلاح مؤسسات الدولة، وهذا كله مسلمات لا نقاش فيها، وحق الدولة باتخاذ قرار حصر السلاح يشبه حق الطلاق في الزواج فهل يبرّر وجود هذا الحق ممارسته بدون أسباب موجبة وسياق مبرّر ومشروع، وما ورد في كل الوثائق من اتفاق الطائف إلى القرارات الدولية واتفاق وقف إطلاق النار صحيح ومتفق عليه، لكنه جزء من روزنامة تسلسل التزامات يتم تجاهلها عمداً، كمن يقول إن حق التعليم المكفول في مواثيق الأمم المتحدة والقوانين الوطنية يسمح للأهل تسجيل طفلهما المولود في الجامعة فوراً.
الجميع يسلّم منذ اتفاق الطائف بحق الدولة في اتخاذ قرار حصر السلاح في توقيت مناسب، وقد ارتأى رؤساء حكومات سابقين أن يربطوا ذلك بوضع استراتيجية وطنية للدفاع. وهذا ما ورد في خطاب القسم لرئيس الجمهورية، عندما أورد فقرة تأكيد حق الدولة باحتكار السلاح، بأن تكون الدولة تحمي وتدافع وتحرّر، وهذا ما لم تستطع الدولة القيام به بعد، وما لم تضع الحكومة خطة، ولا طلبت من قيادة الجيش وضع خطة لتحقيقه، كما ربط هذا الحق بالدعوة لما أسماه مناقشة عامة لوضع استراتيجيّة للأمن الوطني ومن ضمنها خطة دفاعيّة عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً، ورئيس الحكومة نواف سلام قبل أن يصبح رئيساً للحكومة بأقل من سنة كان يتحدّث عن أولويات تطبيق اتفاق الطائف فقال إن بسط سيادة الدولة بقواها الذاتيّة يبدأ بوضع استراتيجية للدفاع الوطني، وكل هذا يعني أن النقاش مع الحكومة ورئيسها هو حول رجاحة كل ما قاله الآخرون ومنهم رئيس الحكومة الذي انقلب على قوله، والسؤال هو لماذا الانقلاب على سياق ممارسة الحق، وليس عن شرعيّة هذا الحق، فعندما يسأل القاضي الزوج أو الزوجة في حال الطلاق عن الأسباب لا ينازع أي منهما في أن الطلاق حق من حقوقه؟
الحديث عن المراحل وعن السياق حول السلاح، يرتبط مباشرة بأمر واحد هو جوهر السيادة، وليس السلاح، وهو مَن يحمي لبنان طالما أن الحكومة لم تسلك طريق بناء قوة للدولة وتقول إن الجيش يحمي بغير النشيد الوطني والحديث عن الشعارات، فالجيش يشكو نقص العدد والعدّة، والحكومة لا تريد شبكة دفاع جويّ للجيش تحمي الأجواء، ولا تجرؤ على تكليف الجيش الاحتفاظ بالأسلحة التي يتسلّمها من المقاومة، بل تأمره بتدميرها تنفيذاً للتعليمات الأميركية والطلبات الإسرائيلية، والحكومة تسلم بالاعتماد على العطاءات الخارجية للجيش لتمويل رواتب ضباطه وجنوده، والنقاش يدور هنا بالضبط، حول خطة الحكومة التي تقول إن لا حاجة لسلاح المقاومة كي تعقد نقاشاً حول استراتيجية للدفاع الوطني يناقش السلاح من ضمنها، تقول أيضاً إن لا حاجة لتسليح الجيش وزيادة عديده وتحسين رواتب ضباطه وجنوده، فهل من حق اللبنانيّين الذين سوف يدفعون ثمن سياساتها الدفاعية إن سألوها عن طبيعة هذه السياسة الدفاعيّة إذا وضعنا مسألة سلاح المقاومة جانباً؟
لم نسمع إلا جواباً واحداً على هذا السؤال، وقد قاله وزير الخارجيّة، عندما عرض الاستراتيجية الدفاعية القائمة على أن أميركا تحب لبنان ولدى لبنان فلسفة البكاء لدى أميركا، فهل هذا البكاء يحمي لبنان؟ وهل حماه منذ اتفاق وقف إطلاق النار عندما قبلت المقاومة تنفيذ ما طلبته الدولة منها لضمان الحصول على الضمانة الأميركية بالاستجابة لفلسفة البكاء اللبنانية. وهل حمى البكاء الأكثر تدفقاً بالدمع الصادر من حكم دمشق الجديد الذي تحبّه أميركا أكثر وتحتضنه تركيا وترضعه دول الخليج، ونحن نرى ما سيحدث مع لبنان عندما تنجح الحكومة في التخلص من سلاح المقاومة، من خلال رؤية ما حلّ بسورية عندما تخلصت حكومتها من سلاح جيشها بعدما تركته عصفاً مأكولاً لجيش الاحتلال، حيث جرى احتلال جنوب سورية عملياً وتحويله منطقة مباحة أمام الاحتلال، وطردت الجيش السوريّ منه، وعندما تجرأ الجيش على التوغل ولو بعدد محدود فيه قصفت وزارة الدفاع ومقرّ الرئاسة في دمشق، ولم تستطع لا أميركا ولا دول الخليج ولا تركيا أن تمنع حدوث ذلك؟
السؤال اللبناني عن اليوم التالي هو الموجّه للحكومة، وهي تخرس وتهرب من الجواب وتريد من اللبنانيين أن يبصموا لها على بياض تماماً كما بصمت للمبعوث الأميركيّ توماس باراك على بياض، لكن بين اللبنانيين من لا يقبل بتأجير عقله ولا استرهان مستقبل بلده، لأنه يريد لأبنائه أن يعيشوا ويكبروا فيه بكرامة، بخلاف معظم الوزراء الذين اتخذوا جوازات سفر لبلاد أخرى جنسيات رديفة لهم ولأبنائهم، ولديهم بدائل للبنان كوطن، ويمنحون لبنان وقتهم كوزراء على طريقة عمل الأوفر تايم، بينما اللبنانيون يفضلون العمل لدى وطنهم بنظام السخرة على رؤيته مهاناً.
ناصر قنديل