إنزال المساعدات من الجو… غطاء إنساني زائف لحصار قاتل وإبادة ممنهجة في غزة

بقلم: وسام زغبر
كاتب وصحفي من شمال غزة
عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين

في قلب المجاعة وأهوال الحرب، تتساقط المساعدات من الجو فوق قطاع غزة، لا كمشهد إنقاذ، بل كصورة فاضحة للعجز الدولي، وتواطؤ النظام العالمي مع جريمة مستمرة منذ أكثر من 21 شهراً. فبدل كسر الحصار وفتح المعابر، تُرمى الطرود فوق الجوعى كما يُرمى الفتات للمحاصرين، في مسرح إهانة جماعية للكرامة الإنسانية.
اعتراف بالجريمة لا حل لها
إن إنزال المساعدات من الجو ليس حلاً، بل اعتراف واضح بأن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد تجويع أكثر من مليوني إنسان، ويمنع وصول الغذاء والدواء ومياه الشرب ومقومات الحياة. وإذا كانت الطائرات التي تلقي هذه المساعدات هي ذاتها التي توفر الحماية السياسية والعسكرية للاحتلال، فكيف يُعقل تصديق أنها تهدف إلى إنقاذنا؟
هذه الطرود لا تصل إلى كل المحتاجين، ولا تسد الرمق، ولا تعالج المرضى، ولا تمنع الموت البطيء لأطفال ونساء وشيوخ تُركوا للمجهول وسط أنقاض المخيمات والمستشفيات المقصوفة.
مناورة مكشوفة بأقنعة إنسانية
ما يُسمى بـ”الممرات الإنسانية المؤقتة” وإنزال المساعدات من الجو، ما هو إلا غطاء سياسي لتبييض صفحة الاحتلال، والتخفيف من حدة الغضب العالمي. إن هذه الإجراءات لا تشكل بديلاً حقيقيًا لوقف الحرب وكسر الحصار. هي محاولة مكشوفة لإدارة المجاعة بدل إنهائها، ولتجميل وجه جريمة الإبادة الجماعية المستمرة بحق سكان غزة.
تسعى هذه المناورة إلى إظهار الاحتلال والداعمين له بمظهر من يقدم الحلول، في حين أنه هو الجهة المسؤولة عن هذه الكارثة، وهو من يفرض قيودًا مشددة على دخول المساعدات ويحاصر المعابر، ويقصف المراكز الطبية ومخازن الإغاثة، ويمنع إعادة تشغيل شبكات المياه والكهرباء.
كسر الحصار أولًا
الحل الجذري لا يكمن في تقطير المساعدات من السماء، بل في كسر الحصار كليًا، وفتح المعابر دون قيود أو ابتزاز، والسماح بدخول المساعدات بكميات كافية وبآليات توزيع منظمة وعادلة، بإشراف الأمم المتحدة ووكالة الأونروا، التي يحاول الاحتلال أيضًا تقويض دورها واستهدافها بشكل ممنهج.
إن ما يحتاجه سكان غزة اليوم هو وقف المجزرة فورًا، وإنهاء الاحتلال، وتمكينهم من الحياة الكريمة، وإعادة بناء ما دمرته الحرب من مستشفيات ومدارس ومنازل وبنية تحتية. هذا هو المعنى الحقيقي للنجدة الإنسانية، لا الطرود المتناثرة بين الموت والركام.
دعوة إلى تحمّل المسؤولية الدولية
على المجتمع الدولي، والدول العربية، والمؤسسات الحقوقية، أن تتوقف عن التفرج، وأن تتخذ خطوات حقيقية لوقف هذه الجريمة. الصمت لم يعد حيادًا، بل صار شراكة في الجريمة. الضغط السياسي والقانوني والاقتصادي يجب أن يُمارس بكل قوة على دولة الاحتلال لوقف المجازر والسماح بمرور المساعدات فورًا، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره فوق أرضه بحرية وكرامة.
غزة لا تحتاج إلى إسقاط المساعدات من السماء، بل إلى رفع الاحتلال عن الأرض. لا كرامة تحت الحصار، ولا عدالة في ظل الاحتلال. إنزال المساعدات من الجو ليس سوى إسعاف شكلي لضحايا جريمة لا تزال مستمرة، ووسيلة لخداع الرأي العام العالمي. أما الحقيقة، فهي أن غزة تُذبح، والعالم يكتفي بإسقاط طرود فوق جثثها.