يصادف اليوم الثلاثاء 20 أيار، ذكرى رحيل الشاعر العربي الكبير العراقي مظفر النواب الملقب بشارع الكلمة والموقف، والذي قضى 40 عاماً من حياته في الغربة بسبب كلمته ومواقفه..

وولد النواب لعائلة أدبية ثرية، لكنه أكمل دراسته في كلية الآداب بجامعة بغداد بصعوبة بعد أن فقدت أسرته ثروتها، وبعد سنوات انتسب إلى جامعة فانسان الفرنسية وسجل رسالة ماجستير كان موضوعها باراسايكولوجي أو القوى الخفية في الإنسان

وانتمى النواب إلى الحزب الشيوعي العراقي مؤمناً بمبادئه، وناضل في صفوفه خاصة بعد الإطاحة بالنظام الملكي عام 1958، وظل كذلك حتى اضطر في 1963، إلى مغادرة البلاد باتجاه إيران .
وعُين النواب أثناء حكم الشيوعيين للعراق (1958-1963) مفتشاً فنياً في وزارة التربية، ثم فقد وظيفته بسبب خروجه من البلاد، قبل أن يعود إليها قسراً كسجين أواخر عام 1963، ثم تمكن مع عدد من السجناء السياسيين الهروب من السجن، وعمل بعدها متخفياً في شركة هولندية بالعراق

وَلفت النواب الأنظار إليه منذ عام 1969، بقصيدته قراءة في دفتر المطر ، حيث عرفه الجمهور العربي من خلال ملحمته الشعرية وتريات ليلية التي كتبها خلال 1972-1975، وظهر فيها ملتزماً بقضايا العرب القومية السياسية والاجتماعية..

واشتهر منذ أوائل السبعينيات بشعره السياسي المعارض والموغل في نقد الأنظمة العربية الحاكمة نقداً لاذعاً، حتى لقبه بعضهم بـ الشاعر الأخطر في حركة الشعر العربي، و أيضا اعتبره الكثيرون أنه من الشعراء أصحاب المواقف و الرسالة السامية..

ونظم النواب أمسيات شعرية للجاليات العربية بالعواصم الغربية مثل لندن، حيث ألقى فيها قصائده الكثيرة متوجهاً للقضية الفلسطينية وانتفاضتيْها (1987 و2000) ..و كانت دائما قصائده تدعوا إلى مقاومة الاستعمار و ضد التصالح مع العدو الصهيوني ، الذي كان يصفه بكلمات نابية بقصائده لا لكي يستعرض، بل لكي يحذر من خطورة المشهد الذي نعيش تبعاته إلى اليوم..

و نعرض لكم أحد أشهر قصائده بعنوان نعم مولاي تراب:

عَسلُ الوردِ يخامر
ريقك آناءَ الليل
وثوبك عن زرين من الماس
يشفُّ وصوتك لِئْلاء
أهتز كما يهتزان
أحدُّ من الشفرة طبعي
ورقيق ماءُ
أوسخُ طينٍ ينبتُ فُلاً
إن لقي الحبَّ
وأطيب طين لا ينبت
حين لهذا الطين يُساءُ
تجري الغربةُ فيَّ
فهل تسمحُ سيدتي
أنسابُ إلى جانبها
ليس علي سوى
حزن الليل رداء
الشارع موبوءٌ بمراقبةِ
المخلوقات المسكونة بالوحشة مِثلي
دورياتُ الإخصاءِ تجوبُ الوطنَ الممتدَّ
منَ الدم إلى الدم
ما يفتحُ مخلوقٌ فمهُ
حتى يخصى فمُهُ
آخر ما وصل العلم العربي له
وتفننت الصحفُ الرقطاءُ
تقبضُ من كلِّ جهاتِ النفطِ
وتكتبُ ما برميلُ النفطِ يشاءُ
ماذا ينفعُ أيُّ شراعٍ
البحر تَلَوث والبر
تلوث والميناء
ما زلتُ على طاولةِ الأمس
ولستُ أعي إلا ثَمَلي بالعالم
فالبعضُ بغير دمِ العالم لا يسكر
منذ سنين هذي طاولتي
يقرأني من يرغب
حسب ثقافته في العشق
ومن يخطؤ لا أستاءُ
وأغادرُ
اسحبُ في وجعٍ قدمي المتعبتين
وأستطلعُ بالسكر الشارع
تعرفني الطرقات
وشارات عبور الطرقات
وأفتحُ أزرارَ قميصي للريح
توجهني الأنواء
من هذا الغائر في زاوية الشارع؟
عيناه كجرذِ الطاعون
أَأنتَ؟ أما زلتَ تراقبني؟
مسكينٌ تسعلُ من كل مكان
وتراقبني !
راقبُ يا سيدُ راقب
هلْ أنزلُ سحابَ التاريخ
لتعرفَ صدقَ مواطنتي
لكنَّ البرد شنيع وسعالك لا ينفك
وأطلقتْ الصفارات وأطفأت الأضواء
العربُ الأعرابُ من البحر
الى البحر بخير
وسجون ممتعة
اسرائيلُ ترشُّ علينا ماءَ
الوردِ وأنت تراقبني
مبسوطٌ لا شك أنا والله كذلك
أكتبْ ما شئتَ بما شئتَ بمن شئتَ
ولكن وجهكَ للحائط أرجوكَ
ليس لشيء
تشكيلةُ وجهك لا تعجبني
عفوكَ لا أقصد جرحكَ في شيء
هل ظلَّ هنالك ما يُجرح؟
ولكن خطأٌ في خطأٍ وجهك
يا رب لماذا الأخطاء
أنت مُصرٌّ يا سيد أن تزعجني
هل آذيتك؟
هل جمعتُ مرتبك الشهري؟
إذا كنت بهذا التقريرِ
توفر خبزاً لعيالك
سوف يشبونَ حراماً
أو كنتَ تريدُ شراءَ حذاء
بدلاً ممّا أنت تهرأتَ
فأنت وتقريركَ والراتبُ
يا دوب حذاء
رؤساء الحانة ناموا
سامحني أنصرف الآن
فؤادي مملوء بالخمر وبالحزن
وبي شوق أتمرغ كالمُهْر
البريِّ برمل بلادي
أستنشق رائحةَ البطيخِ
سامحني إن كنت أسأتُ
فما قصدي والله
ولكنْ نطفَ القلبُ
وأعشق أن ألقاك غدا
في الحانة إنساناً
تقدر يا سيد إن أنت تشاء
والآن أغادر والحارة
كالعمر ترافقني
أتلذذ بالمطر الفضي
وعُمق فراغ الشارع
أحْتكُّ بأبواب الناس
كقط فقد المأوى
وأصفُر خشية أن يستيقظ
فيَّ الأمس ويرتاب
مولاي لقد نام ملوك
الأرض وغلقت الأبواب
وما زالتْ بعض مطاعمُ آخر
ساعاتِ الليل هنا وهناك
وفي حاويةِ الزبلِ وبين
الأوساخِ كتابُ
أحنو وأمدُّ يدي
يمدُّ يديهِ إليّ
ونبكي مما أهملنا الأحباب
أسمعُ طفلاً يثغو في
المهد وأسمعه يغفو
يا ربّ..يشبُّ له وطن
فأنا عشتُ بلا وطن
في حاوية الغربةِ
سيدتي نرجع للعشق
جميع الشرفاء في هذي الأمة أغراب
شباككِ ما زالَ بزخرفهِ
الشامي يزقزقُ
إنْ مرَّ حزينٌ آخرَ ساعاتِ الليل
وقالَ مساءَ الخير يقول له
الشباكُ صباح الخير لقد
طلعَ الفجر
وبغداد الآن تقوم من
النوم بلا ثوبٍ تمسحُ
بالطلع مفاتنها
تدخل عند الله وتخرج
بالشمسِ وبالشاي البصْري
الموجعِ بالنعناع
شباككِ سيدتي في الشام
وشباكي بغداد
وبين الأثنين من التاريخ
إلى المستقبلِ حبٌّ وعتاب
صادفني السيدُ ثانيةً
يا اللهُ أليسَ ينام؟
أمكتوبٌ في الشامِ علي
وفي بغداد
ولا يفتؤ في كل المدن
العربية يكتب فيَّ
بعصتُ حكومات الذل ويغتاب
وتبسم صبحُ الله
أسيرُ على غيرِ هدى
أغمضُ عيني عليَّ
ولم ألقَ سوى العودة للحانة
ثانيةً فالوحدةُ قاتلةٌ والقلبُ يبابُ
ووجدت السيد قد نسيَ
التقريرَ على طاولة الخمر
مسحتُ حذائيَ بالتقرير
البائسِ فاحتجَّ حذائي
وسّخهُ التقرير
وعاودني
أني أسمع نوم الطفل
دخيلك يا الله يشب له وطن
فأنا عشت بلا وطن
وتقيّءُ لي بين النهرين تراباً
أرقد فيه قريرَ العينِ
نعم مولاي تراب