من المسلَّم به أن طوفان الأقصى أتى كردِّ فعلٍ على فداحة الإجرام الصهيوني طيلة 75 سنة من الاستيطان الزاحف والحروب المستمرة على الشعب الفلسطيني وكل شعوب المنطقة، لتصل ذروتها بمحاولة إقبار القضية الفلسطينية، سيّما بعد مسلسل “أوسلو” وإطلاق مسلسل التطبيع مع بعض الأنظمة العربية.
ورغم عدم توازن طرفي الصراع، أخذًا بعين الاعتبار انخراط ومشاركة كل الغرب الإمبريالي بترسانته الحربية في إسناد صنيعته الوظيفية، في مواجهة غير متناظرة مع قوى المقاومة في فلسطين أولًا ولبنان واليمن والعراق لاحقًا، فقد أظهرت هذه القوى المقاوِمة شجاعة منقطعة النظير وإبداعًا في حسن استعمال إمكاناتها المتواضعة المصنَّعة محليًا مقارنةً مع الإمكانات المهولة للحلف الصهيو-غربي.
وهنا يجب الإشارة إلى احتضانٍ قلَّ نظيره من طرف بيئتها الحاضنة في كلٍّ من غزة، الضفة، لبنان واليمن، على عكس الانقسامات التي يشهدها الكيان.
وبعد أكثر من 19 شهرًا من المواجهة والقتال في عدة جبهات، لم يتمكن العدو من إحراز أي صورة نصرٍ ، فيما عدا إمعانه في قتل وتجويع المدنيين مرتكبًا أكبر إبادة جماعية عرفها التاريخ، مقرونةٍ مع جرائم حرب وثّقتها المنظمات والمحافل الإنسانية ، وبالمقابل كبّدت المقاومة العدو آلاف القتلى والجرحى والمصابين بصدمات نفسية، كما أجبرتهم على التهجير شمالًا وجنوبًا وتكديسهم في الملاجئ، وأطبقت عليهم حصارًا بحريًا تامًا رغم تدخل الأميركي والبريطاني.
ومن أهم تجليات إنجازات المقاومة هو الحصار الجوي الذي طُبّق أخيرًا على الكيان بعد ضرب مطار “بن غوريون” ونجاح صواريخ اليمن في اجتياز كل المنظومات الدفاعية الجوية، والذي أتى مباشرة بعد ضرب الأسطول الأميركي في البحر الأحمر، مما أجبره على عقد اتفاق مع أنصار الله اليمنيين دون أي تنسيق مع الكيان، مما يؤشر إلى مفترق في تقييم مصالح أميركا، ابتعادًا عن الكيان وحكومته الحالية.
نظرًا لكل ما سبق، يمكن اعتبار هذه الإنجازات، مقرونةً مع الضربات القوية للمقاومة في غزة طيلة الفترة الأخيرة بعد إيقاف المرحلة الثانية من الاتفاق الأخير، انتصارًا جليًا لمحور المقاومة باعتراف إعلامهم ومحلليهم، وهو مؤشرٌ على تقهقر دور الغرب وعلى رأسه أميركا في محاولة الاستمرار في تسيير شؤون العالم، سيّما إن أخذنا بعين الاعتبار الخسارة العسكرية لأوكرانيا في مواجهتها لروسيا، وكذلك مآل الصراع مع إيران في موضوع السلاح النووي، دون نسيان المواجهة الاقتصادية مع الصين على إثر مبادرة ترامب غير المحسوبة العواقب بعد فرض تعريفاته الجمركية.
واليوم، والمفاوضات جارية في كل من مسقط وجنيف، ربما ستؤكد نتائجها ما توصلنا إليه من أفول الهيمنة الأميركية في العالم والمنطقة، وتكرّس انتصار القضية الفلسطينية ومحور المقاومة في مواجهته للكيان ومسانديه.

صادق