لم تخرج صورة بابوية ترامب اعتباطا للاعلام ، حيث سبق أن أعلن أنّه مرسل من السماء ولا يستبعد تقمصه دور المنقذ( لكن للرأسمالية المتوحشة التي أوغلت في إيلام البشرية وهذا زمن تعريتها) مع مصادرتهم لقوانين التساوي بين البشر باعتبار أنّ منطق القوة هو الغالب لتسيير العالم.

هذه المعركة تدار من قديم الزمن بين هندستين لمن يعمل للإنسان وخيره بامتداد وجوده وآخر يراكم الثروات على حساب غيره في جغرافية الفتن…

تبقى الكونوليانية بدجلها تتقن ركوب الأحداث وإن تقمصت المقدس لحماية مصالحها. إن انكشاف هذا النمط وسقوطه يأتي بالدرجة الأولى من داخله لجشعه ووحشية سلوكه وما حرب غزة ولبنان واليمن إلا نموذجا مصّغرا من تاريخهم الدموي البشع…

يبقى التساوي في الحقوق سؤالا شديدا على عقول هؤلاء ومحاولة التصنع أو اختراع أيّ مخرج يعتبر من وهم خيالهم الحذر من أساليب الالتواء الذي يعتمدها الفكر الكولونيالي بافتعال «كيانات» لم تكن قائمة أو على الأقل ليس بالشكل الذي تدعي فيه هذا الدور من القوة وتُقدم راهنًا…

لم يكن النقد الثيولوجي هو الوحيد في الساحة لممارسات الكولونيالية، فقد انضم إليه النقد الليبرالي ( التنويري )في أواخر القرن الثامن عشر عبر فلاسفة ألمان وإنكليز وفرنسيين من أبرزهم الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط والاقتصادي والفيلسوف الأسكتلندي آدم سميث والكاتب والفيلسوف الفرنسي دنيس ديدرو…

تثبت الحضارات بقيمة ما يعتزّ به الانسان من مخزون معرفي وأخلاقي وبخدمتها للإنسان والاعتراف بما ضحى. هذه كلها مسارات مضنية من تاريخ الشعوب. كما كانت الديانات وكان المصلحون من أنبياء ومرسلين بطرحهم العابر للزمن سواء بما نزل من وحي السماء أو بما ترك لاجتهاد الفقهاء لتقديم الأجوبة وفق متغيرات الزمن …

نعيش لغط كبير مع هجين لخليط ثقافي وحضاري يحمله اغلبنا دون التمييز بين الهندستين. هندسة مناطها، أيّ مركز اهتمامها، حدود المكان أو جغرافية المصالح وهندسة مناطها آفاق الزّمن بما يقدمه من حلول بعيدة الأمد …

النظرية الأولى دون مواربة او مخاتلة سوق لها دعاة المادية لمصالح آنية وإن تغطوا فيها بكهنوت الدين والثانية دون شك تجذبك لعبقرية تطرحها في التوزين المشروط للعدالة الاجتماعية للعيش الكريم للإنسان ويحسب أنّها الأمتن عندما تجيب عن معنى الإنسان ببعده الروحي والعقلي والمادي …

عبقريّتنا الأصيلة (دون ان نسمي من يمثلها في هذا الزمن ). زمنيّها ممتدّة لا تعاني من نقص مكان أو مجال فأرض الله واسعة وبمعاني الوجود وتكثراته تتجلى. لتعكس متانتنا وثقافاتنا، بين حنين وانتظار سلوكي يحيلان على الزّمن والنصوص المؤسّسة لهذا نجدها بينة في لغتها ومُتجذّرة بطرحها…

أما ذهنيّة المكان فهي فتاحة على جشع قياسي يدور مدار المادي وان كان بقوة النار والدمار والصراع على ملكية الأرض وما فيها من أثقال وهذا ما شكّل خلفية تاريخية لكل من مرو على التاريخ البشري لاستعباده وبالتالي اثر على تفكير أصحابه في كل شيء حتى في الفنون والفلسفة والدين والعادات وانزل الغيبي الملائكي ويوم المحشر وغيرها الى نحت صنمي في معابدهم لايمانهم بتثبيت انحراف مدرستهم السامرية…

لماذا لا نفكر عبر الزمن حين نجد ان زمن الإنسان محدود وجزء من الصراع وسنن التغيير يحتاج فيها لأمد أوسع لحل معضلاته لفهم ما تراكم منها وكلما كان متسع الوقت أكبر كانت الرؤية أمتن والأجوبة أمكن فمشاريع الإنسانية الكبرى تحتاج لدراسة عميقة لتشكلاتها الروحية والعقلية والمادية وللبحث في مناهج إصلاحها ومراجعة نتائجها وهذا يحسب بزمن أجيال وهنا يكمن الفرق في التمييز بين التجربة الإنسانية المحدودة بهدفها الآني والأخرى العابرة للزمن بخدمة الانسان لا بقارونية الخذلان…

تقييم الهندستين أصبح واضحا وبشكل جلي. فالحضارات الزمنية نجحت في الاستمرار لقرون متّصلة رغم الأزمات. أما حضارات جغرافية النهب تلهث ولا تشبع ولا تعرف إلا هل من مزيد كنار جهنم وتتسبّب في دمار وحروب.

من الواضح أننا في السنوات القليلة القادمة سوف نشهد انهيار الغرب وخروجه من سباق الثقافة والحضارة وهو بصدد الإنسحاب الآن ويفرض على الإنسانية باهض الأثمان، بعد سنوات سنقول لآخر الغربي الكونولياني : وتلك الأيام نُداولها بين النّاس…

المهم بما يحصل ان نفهم ان عملية تغريبنا شارفت على نهايتها لنستعد لفهم واستيعاب الزمنيّة العابرة التي نستنشق عبقها من قوة الروح لتركّب لنا ذاتا مُختلفة منسّبة الى أسئلة وجوديّة كبرى وأصيلة وكل الدوام للانسانية بخير في كنف عدالة الارض بدستور السماء …
حسن فضلاوي