✒️ بقلم: أم هاشم الجنيد
منذُ انطلاقِ عمليَّةِ طوفانِ الأقصى، ودخولِ اليمنِ بقوَّةٍ في محورِ المقاومةِ، برزَ دورُها المحوريُّ على جبهةِ الإسنادِ، بفضلِ القيادةِ الحكيمةِ والمبادئِ الثابتةِ التي يُجسِّدُها السيِّدُ القائدُ عبدُ الملكِ بدرُ الدينِ الحوثي،يحفظه الله.
فقد أعلنَ بوضوحٍ عن فرضِ حصارٍ بحريٍّ شاملٍ على موانئِ العدوِّ في الأراضي المحتلَّةِ، واستهدافِ السفنِ المتَّجهةِ إليها، دعمًا لفلسطينَ، وتأكيدًا لوحدةِ محورِ المقاومةِ.
وقد تمَّ تنفيذُ هذا القرارِ على أرضِ الواقعِ، وأثمرَ نجاحًا استراتيجيًّا تمثَّلَ في توقُّفِ ميناءِ أمِّ الرشراش (إيلات) عن العملِ بشكلٍ كاملٍ، ممَّا تسبَّبَ بانهيارٍ اقتصاديٍّ ملموسٍ لدى الكيانِ الصهيونيِّ.
هذا النجاحُ فاقَ كلَّ التوقُّعاتِ، ممَّا دفعَ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيَّةَ إلى تشكيلِ تحالفٍ عسكريٍّ بحجَّةِ حمايةِ طرقِ الملاحةِ الدوليَّةِ، في محاولةٍ بائسةٍ لاحتواءِ تداعياتِ الموقفِ اليمنيِّ الحازمِ.
وفي عهدِ الرئيسِ الأمريكيِّ السابقِ جو بايدن، حاولَ هذا التحالفُ شنَّ مئاتِ الغاراتِ الجويَّةِ على الأراضي اليمنيَّةِ، لكنَّه مُنيَ بفشلٍ ذريعٍ، فلم تُفلِحْ تلك الضرباتُ في وقفِ العمليَّاتِ اليمنيَّةِ. ومع وصولِ دونالد ترامب مجدَّدًا إلى المشهدِ السياسيِّ، استمرَّ نهجُ العدوانِ، ولكن بتركيزٍ أكبرَ على استهدافِ الأعيانِ المدنيَّةِ، في خرقٍ صارخٍ لكافَّةِ المواثيقِ الدوليَّةِ.
فعندما تعجزُ الجيوشُ الكبرى عن تحييدِ قدراتِ الخصمِ العسكريَّةِ، تلجأُ إلى استهدافِ المدنيينَ ومقدراتِهم كنوعٍ من الضغطِ النفسيِّ والاقتصاديِّ. وهذا تمامًا ما فعلتْهُ الولاياتُ المتحدةُ وحلفاؤُها في اليمنِ، حينَ وجَّهوا ضرباتِهم نحوَ المنازلِ، والمدارسِ، والموانئِ، والمصانعِ، وورشِ الأعمالِ الصغيرةِ.
لكنَّ القواتِ المسلَّحةَ اليمنيَّةَ لم تضعفْ، بل زادتْ من وتيرةِ عمليَّاتِها النوعيَّةِ، فاستهدفتْ حاملاتِ الطائراتِ، والبوارجَ الأمريكيَّةَ، والسفنَ المرتبطةَ بالكيانِ الصهيونيِّ، كما أعلنتْ فرضَ حصارٍ جوِّيٍّ على مطارِ بن غوريون، لتُؤكِّدَ أنَّ زمنَ الردعِ الشعبيِّ قد بدأ، وأنَّ المعادلةَ قد تغيَّرتْ.
تكبَّدتْ أمريكا، نتيجةً لذلكَ، خسائرَ بملياراتِ الدولاراتِ، نتيجةَ التكاليفِ الباهظةِ لاعتراضِ الصواريخِ والمُسيَّراتِ اليمنيَّةِ، هذا إلى جانبِ إسقاطِ عددٍ من الطائراتِ المتطوِّرةِ من طرازِ MQ-9،وغيرها ممَّا زادَ من حجمِ التحدِّي الذي تُواجهُه واشنطن أمامَ شعبٍ مقاومٍ لا يُكسَرُ.
إنَّ ما تقومُ به الولاياتُ المتحدةُ وحلفاؤُها من قصفٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ للأعيانِ المدنيَّةِ، يُعدُّ جريمةَ حربٍ مكتملةَ الأركانِ، وِفقًا لكافة الشرائع السماوية،والقانون الدوليِّ الإنسانيِّ. وفيما يلي أبرزُ الموادِّ القانونيَّةِ التي تُجرِّمُ هذه الأفعالَ:
المادَّةُ 52 من البروتوكولِ الإضافيِّ الأوَّلِ لاتفاقيَّاتِ جنيف (1977): تنصُّ على أنَّ الأعيانَ المدنيَّةَ هي “جميعُ الأعيانِ التي ليستْ أهدافًا عسكريَّةً”، وتُحظَرُ الهجماتُ عليها بشكلٍ صريحٍ. وفي حالِ وجودِ شكٍّ في طبيعةِ الهدفِ، يجبُ اعتبارُهُ هدفًا مدنيًّا.
المادَّةُ 51 من البروتوكولِ الإضافيِّ الأوَّلِ: تُحظَرُ الهجماتُ العشوائيَّةُ، وتُصنَّفُها كخرقٍ خطيرٍ، لأنَّها لا تُميِّزُ بين الأهدافِ العسكريَّةِ والمدنيَّةِ.
المادَّةُ 57 من البروتوكولِ ذاته: تُلزِمُ الأطرافَ المتنازعةَ باتِّخاذِ كافَّةِ الاحتياطاتِ الممكنةِ لحمايةِ المدنيينَ، وتُؤكِّدُ على وجوبِ التحقُّقِ من طبيعةِ الهدفِ، وتقديمِ الإنذاراتِ المُسبقةِ إنْ أمكن.
المادَّةُ 8 من نظامِ روما الأساسيِّ للمحكمةِ الجنائيَّةِ الدوليَّةِ (1998): تُدرِجُ “توجيهَ هجماتٍ متعمَّدةٍ ضدَّ أعيانٍ مدنيَّةٍ ليستْ أهدافًا عسكريَّةً” ضمن جرائمِ الحربِ التي تستوجبُ المحاكمةَ أمامَ المحكمةِ الجنائيَّةِ الدوليَّةِ.
إنَّ استمرارَ الولاياتِ المتحدةِ في قصفِ الأعيانِ المدنيَّةِ في اليمنِ لا يُثبِتُ إلا أمرًا واحدًا: أنَّها فشلتْ عسكريًّا وأخلاقيًّا.
فشلتْ في كسرِ إرادةِ اليمنِ، وفشلتْ في إيقافِ شريانِ الدعمِ لفلسطينَ.
أمَّا اليمنُ، فقد أثبتَ أنَّهُ، رغمَ الحصارِ والعدوانِ، يظلُّ رَقمًا صعبًا في معادلاتِ الصراعِ، ولا يمكنُ تجاوزُهُ أو تجاهلُهُ.
وسيظلُّ القانونُ الدوليُّ شاهدًا، والتاريخُ مُسجِّلًا، بأنَّ اليمنَ لم يعتدِ، بل دافعَ، وأنَّ أمريكا هي من تجاوزَتْ كلَّ الخطوطِ الحمراء في عدوانها.
ونحنُ، في الأولِ والأخيرِ، قيادةً ومجاهدينَ وشعبًا، معتمدونَ على اللهِ، ونستمدُّ قوَّتَنا من اللهِ، لأنَّ أمريكا لا تحترمُ الشرائعَ ولا القوانينَ الدوليَّةَ، بل تستنبطُ منها ما هو لصالحِها فقط، وهي العدوُّ الأوَّلُ للإنسانيَّةِ.