لأول مرة في تاريخ الصراع العربيالإسرائيلي، يتم تنفيذ مشروع نزع السلاح من العالم العربي ومن كل يدٍ تقاتل أو تهدّد أميركا وإسرائيل ويُسمح بالسلاح الذي تحتاجه الحروب الأهلية، لإنهاك الدول والشعوب وإضعافها وإستبدال العدو الاسرائيلي بالأعداء المحليين . إن المشروع الأخطر هو تعميم مفهوم ،عدم جدوى المقاومة المسلّحة لتحرير الأرض او تأمين الأمن والإستقرار ،عبر الحروب التأديبية على حركات ودول المقاومة، مثل ما جرى في غزة والتدمير الشامل، المماثل، لتدمير المدن في الحرب العالمية الثانية والإبادة الجماعية المتوحشة وكما يجري في لبنان من التدمير الشامل للقرى والذي يحدث أيضاً للمرة الاولى منذ تاريخ الصراع بين لبنان والعدو الإسرائيلي مع إستمرار الحرب، لتقويض الأمن والاستقرار ،للجماعة والطائفة التي لا زالت تعلن العداء والقتال لإسرائيل ولنزع السلاح، كشعار تضليلي لأن الواقع هو “تدمير” السلاح ذاك المشروع الذي بدأ قبل غزو العراق بعنوان تدمير “سلاح الدمار الشامل “العراقي الذي أثبتت الوقائع وإعترافات المسؤولين الأميركيين ،أنه غير موجود ويبدو ان كل سلاح يهدّد إسرائيل وأميركا، فهو سلاح دمار شامل! إن ما جرى في سوريا من تدمير للقدرات العسكرية السورية الهائلة ، لتثبيت قرار المنطقة “منزوعة السلاح “ما عدا السلاح الإسرائيليوالأميركي والسلاح الذي يأتمر بأوامرهما وينفذ مشروعهما لإحتلال المنطقة.
إن التدمير الشامل والإبادة الجماعية والإغتيالات والتهديد الدائم، هو المرحلة الاولى لإعادة تثبيت فكرة “الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر” بعدما قهرته المقاومة في لبنان عام 2000 وتثبيت فكرة عدم جدوى المقاومة المسلحة وأن سلوك هذا الطريق المقاوم ، سيصيب الحاملين للسلاح والمؤيدين له ،بالضرر الكبير والتهديد الوجودي والتهجير ، لضمان أمن إسرائيل ومصالح أميركا، لخمسين عاماً قادمة او ربما ماية عام، لأن الإنهزام النفسي والتسليم بالأمر الواقع ،سيحتاج الى ثلاثة او أربعة أجيال ،لإعادة المحاولة ثانية بعد فشل المقاومة المسلّحة بعد 50 عاماً والتي ستنتهي بتسليم السلاح!
سيبدأ عملاء المشروع الأميركيالإسرائيلي من بعض علماء الدين التابعين للسلطة او تجار الدين والإعلاميين المرتزقة وبعض المثقفين المقاولين وبعض الخائفين الى ترويج فكرة ،فوائد السلام والتطبيع مع اسرائيل ورفع شعار “حب الحياة” والرفاهية الإقتصادية وتنشيط السياحة ، وزرع فكرة “عبثية” السلاح والمقاومة المسلحة وأن من يحمي الشعوب هي القرارات الدولية والشفقة الأمريكية والعهود الإسرائيلية الوهمية. إذا كان صحيحاً، ما تم نشره عن موافقة حركة “حماس” بالتنازل عن الحكم في غزة وتسليم السلاح والتحوّل الى حزب سياسي، مقابل وقف الحرب ودخول المواد الغذائية وإعادة الاعمار غير المضمون ومنع التهجير لأهل غزة، غير المضمون أيضاً، سيكون نجاحاً لفكرة نزع فكرة المقاومة المسلحة من عقول العرب والمسلمين ،بسبب سؤال سيطرحه الخبثاء والمرجفون والعملاء. ماذا حصدت المقاومة المسلحة في فلسطين، سوى الخراب والدمار والمجازر، دون أي ثمن سياسي، بينما حصدت السلطة الفلسطينية المتعاونة مع الإحتلال ، الأمن والرواتب والانترنت السريع…والقصور؟ ماذا حصدت المقاومة المسلحة في لبنان ، سوى التدمير والخراب والمجازر والخسارة المعنوية والمادية في و الإستباحة الإسرائيلية للجو والبر وتدمير الأسلحة المصادرة وتفجير المواقع والانفاق؟ المشكلة الأخطر، أن الدفاع عن فكره المقاومة ،بشكل عام والمقاومة المسلحة ،بشكل خاص لا يرتقي الى مستوى الهجوم الأميركي الإسرائيلي واذنابهما ،نتيجة القصور والتقصير والحصار على حركات المقاومة ،مما سيجعل الحرب الثقافية والإعلامية ،لصالح المشروع المضاد للفكر المقاوم.
إن نزع السلاح يشكل خسارة وخطراً مرحلياً، يمكن تعويضه بأيام وشهور، بينما نزع “الفكر المقاوم “يشكل خطراً كبيراً ويحتاج لعقود عديدة، لإعادة ترميم الفكر والعقل المقاوم وعندما يستسلم العقل ويستسيغ العبودية والسلام الذليل ،فلن يحمل بندقية ، بل سيقاتل لنزع بندقية اي مقاوم ويصبح مخبراً وعميلاً وخادماً، للمشروع الأميركي_الإسرائيلي، كما يحدث الان في لبنان و فلسطين وسوريا، ففي لبنان كان ممنوعاً ان يقاتل الجيش ضد إسرائيل “وصار مأموراً” بتدمير السلاح المقاوم على نفقة الدولة وعلى المقاومة إسعاف جرحى الجيش “المقهورين” وهم يفجرون سلاحها ويدمّرون مواقعها !
إذا كانت المقاومة المسلّحة غير متاحة الآن، لظروف استثنائية، فلابد من رفع مستوى المقاومة الثقافية، لمنع الإنهزام النفسي والإحباط المعنوي وحالة الإنكسار والخيبة التي تلفح أهل المقاومة ولحفظ الفكر المقاوم والعقل المقاوم ،لضمان حماية اليد المقاومة مستقبلاً.
بقلم الدكتور نسيب حطيط/المقاومة الثقافية