في العام 2024، لم يتمكن الجيش “الإسرائيلي” خلال حرب الـ66 يوماً من تجاوز الثلاثة كيلومترات من الحدود اللبنانية بأقصى حدود الخرق البري، وذلك برغم شراسة المعركة التي امتدت على مدى شهرين ونيف.

ولم ينزل الأمريكي على الأرض بل اكتفى بارسال جنراله جاسبر جيفرز وهو يعلم جيداً أنه لا يستطيع ارسال جيشه إلينا فهوصاحب تجربتين أليمتين في هذا المجال.

الأولى، في العام 1958 حين تعرض جنوده لمواجهات مسلحة في منطقة الأوزاعي عندما جاءوا لنصرة الرئيس الراحل كميل شمعون (حلف بغداد).

الثانية، في العام 1983 عندما فجر انتحاري نفسه في مقر قيادة المارينز على طريق مطار بيروت وقتل 246 جندياً أمريكياً.

هذا من دون أن ننسى تجربة الجيش الفرنسي الذي خسر أكثر من ستين من جنوده بتفجير مقر المارينز التابع له في بيروت في العام 1983.

لم تكن المقاومة يومها قوية، بل كانت مجرد مجموعات مسلحة صغيرة بأسلحة خفيفة ومُزنرة بحصار “إسرائيلي” وأمريكي وفرنسي وإيطالي ناهيك بالدور الذي كان يلعبه الجيش اللبناني في عهد أمين الجميل.

اليوم، وبالرغم من الخسائر القاسية في الأرواح والعتاد والسلاح ومنظومة السيطرة والتحكم، فإن المقاومة ما تزال تحتفظ بجيش من المقاتلين يُقدّر بعشرات الآلاف.

وتمتلك مخزوناً مُعيناً من السلاح والأهم من هذا وذاك تمتلك مخزوناً كبيراً من الدعم الشعبي الذي عبّر عنه تشييع الأمينين العامين للحزب السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين وأيضاً عودة الأهالي إلى قراهم في الجنوب برغم الدمار الهائل الذي حلّ بها.

ويُمكن القول إن الخسارة الاستراتيجية الكبرى للمقاومة اليوم تتمثل بخسارة سوريا وما كانت تمثله من شريان دعم حيوي طوال أكثر من أربعة عقود من الزمن.

أيضاً كان هناك اتحاد سوفياتي (ومعه حلف وارسو) بقيادة يوري أندروبوف الذي دعم سوريا ووقف إلى جانب المقاومة في لبنان.

أمام هذه الحجة بالامكان القول إن المقاومة في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) محاصرة بالجيش الإسرائيلي من جميع الاتجاهات ولكنها خرقت هذا الحصار.

وتمكنت من التسلح والتدريب وأثبتت بالممارسة النظرية القائلة إنه عندما تتوفر إرادة المقاومة لا بد من ابتداع طريقة أو وسيلة ما لتنفيذ هذه الإرادة.

نعم في العام 1982 كانت هناك “جبهة الصمود والتصدي” (النظامان العراقي والليبي إلى جانب النظام السوري)، وكانت هناك ثورة الإمام الخميني التي ترجمت موقفها الفلسطيني بارسال قوة من الحرس الثوري أسّست حزب الله ومقاومته التي عبّرت عن نفسها بتفجير مقر الحاكم العسكري “الإسرائيلي” في صور بواسطة الاستشهادي أحمد قصير في تشرين الثاني/نوفمبر 1982.

اليوم لا توجد سوريا 1982 ولا جبهة للصمود والتصدي ولا اتحاد سوفياتي ولا حلف وارسو.

وصحيح أن إيران محاصرة لكنها وبرغم ذلك لم توقف دعمها لحزب الله حتى يومنا هذا، مع العلم أن الأمريكيين و”الإسرائيليين” يحاولون حتى قطع “الأوكسيجين” المالي عن حزب الله لمنعه من إعادة انتاج قوة ردعية كفيلة بحماية لبنان وتوفير الدعم لجمهوره حتى ينهض بالمناطق التي تعرضت للتدمير خلال الحرب الأخيرة.

عودٌ على بدء. ميزة المقاومة في لبنان أن بنيانها وبرغم ما أصابه من ضرر إلا أنه ما زال متماسكاً وقويا.. والآتي من الأيام سيظهر صحة هذا الاستنتاج من عدمه..

وهذه نقطة قوة مختلفة عن الواقع الداخلي في العام 1982، عندما أصاب الانهيار كل الواقع الوطني اللبناني والفلسطيني، وهو المسار الذي أخذ لبنان إلى اتفاق 17 أيار/مايو 1983 وأخذ منظمة التحرير إلى اتفاق أوسلو 1993.

في الخلاصة، ما تحتاجه المقاومة اليوم هو استكمال مراجعة تجربتها ولا سيما الثغرات والأخطاء التي شابت المواجهة الأخيرة، بكل نقاط ضعفها وقوتها وبكل دروسها الصعبة والمؤلمة، كما أنها تحتاج إلى الوقت لأجل مراكمة عناصر قوة تتيح لها ولجمهورها النهوض مجدداً.

معظم تجارب الشعوب تشي بحقيقة واحدة: ليل الاحتلال حتماً لن يكون طويلاً.

حزب الله الإلكتروني-مقالات