مرّ الخبر عادياً: اعتقال فلسطيني بعد محاصرة منزل وإحراقه قرب مستشفى الإنجيلي في نابلس.
عاديّ تماماً كقتل “مستوطن” المحامية أمانة يعقوب بدم بارد على الأسفلت في سلفيت، ومصادرة الاحتلال ١٤٠٠ دونم من أراضي بيرين جنوب الخليل،
وسلسلة من مجازر الهدم المروّعة (١٠ عمليات هدم لمنازل وصالات للمناسبات الاجتماعية ومنشآت أخرى) في كلّ من سلفيت ونابلس (سابقة خطيرة في حضور ميليشيات “المستوطنين” عملية الهدم) وطولكرم والخليل وبيت لحم ورام الله،
إضافة لعمليات الاقتحام الوحشية في كلّ أنحاء الضفة والقدس منها اقتحام جامعة القدس في أبو ديس شرق القدس وإغراق باحاتها بقنابل الغاز رغم اكتظاظها بالطلاب،
مع تواصل العدوان التدميري على جنين منذ ٧٨ يوماً وطولكرم منذ ٧٢ يوماً.
ولأنّه لا ينبغي أن يمرّ أيّ شيء من هذا كأنّه من المسلّمات اليومية، سأخبركم من هو ذاك الفلسطيني الصلب الذي يحرص احتلالان -شلومو وأذناب شلومو- على إخماد شعلته، بل سأذكّركم به لأنّني سبق وكتبت عنه.
خليل الحنبلي يختصر حكاية الضفة التي تقاوم احتلالين…
“بتهمة حيازة السلاح”، اعتقلته سلطة عبيد أوسلو جريحاً في ١٩-٢-٢٠٢٤ بعد إطلاق النار عليه في نابلس، رغم تأكيده أنّه يرفض مواجهتهم بسلاحه. كان قد خرج من الأسر لدى الاحتلال قبل ٦ أشهر فقط بعد اعتقال دام ١٨ شهراً، علماً بأنّ الاحتلال يلاحقه منذ كان في السادسة عشرة من العمر.
خلال ٦ أشهر أعقبت خروجه من الأسر لدى الاحتلال، تلقّى خليل من سلطة عبيد أوسلو “عروضاً” متكرّرة من الوقائي والمخابرات اللافلسطينية بشراء بندقيته “بالمبلغ الذي يريده مقابل تسليم نفسه وإنهاء ملفه”، فرفض بثبات وإصرار وشجاعة سياسة الابتزاز التي يمارسها وكلاء الاحتلال، وأعلن لاءاته في وجههم دون خضوع ودون مواجهتهم بالنار: لا تسليم لنفسه ولا لسلاحه، ولا خضوع للترغيب بالمال والوظيفة، ولا ركوع أمام الترهيب بالقتل. لكن وفق مصدر مطلّع على مجريات الأحداث حينها، تلقّى خليل بعدها رسالة مباشرة تضمّنت التهديد بالقتل، ولم يتجاوز زمن الرسالة ١٠ أيام حتى نفّذ العبيد تهديدهم.
مكث خليل ٨ أشهر وهو في حال الخطر في سجون أبناء جلدته بعدما أصابوه بستّ رصاصات من مسافة صفر، إحداها استقرّت في خاصرته وتسبّبت بتهتّك أمعائه. رغم ذلك، وكالاحتلال، وضعه سجّانوه تحت حراسة مشدّدة في المستشفى ومنعوا ذويه من زيارته، وحتى بعد إطلاق سراحه، واصل العبيد سياسة الابتزاز القذرة مستغلّين هذه المرّة وضعه الصحي وحاجته للمزيد من العمليات الجراحية، لكنّه لم يرضخ.
خليل رفاقه مقاومو العرين، إما استشهدوا مقاومين، أو اعتقلتهم سلطة عبيد أوسلو تحت مسمّى “تسليم أنفسهم لحمايتهم وإنهاء ملفهم لدى الاحتلال” وهم يلقون اليوم صنوف التعذيب والإخفاء القسري عن ذويهم.
رفيقا دربه الشهيد قاسم العكيلك (ارتقى بعملية اغتيال جبانة في ١٠-٢ المنصرم، والاحتلال يختطف جثمانه)، والشهيد عبد الحكيم شاهين، إمام صلوات الفجر العظيم بمسجد النصر، وقد اغتاله الاحتلال بالبلدة القديمة بداية أكتوبر تشرين الأول ٢٠٢٤ بعد ساعات فقط من محاولة سلطة عبيد أوسلو قتله، وما زال الاحتلال يختطف جثمانه.
========سياسة الباب الدوار: من شلومو إلى ذيل شلومو وهكذا دواليك
خليل في الثلاثينيات من العمر، أب لثلاثة أطفال.
يطارده الاحتلال، واعتقله مرات عدة منذ كان في السادسة عشرة.
اعتقله الاحتلال آخر مرة مع انطلاق العرين في نابلس، بتاريخ ٦-٤-٢٠٢٢، وبقي في الأسر ٣ فترات (١٨ شهراً) من ما يسمى “الاعتقال الإداري”، وأطلق سراحه في آب أغسطس ٢٠٢٣. بعد أسبوع من إفراج الاحتلال عنه، اعتقلته سلطة عبيد أوسلو مع إخضاعه لما تسمّى اللجنة الأمنية في أريحا ٣٣ يوماً، وبعد إفراج عبيد الاحتلال عنه، لاحقه الاحتلال من جديد، لكنّ السلطة القذرة قامت بالمهمة القذرة نيابة عن الاحتلال واعتقلته في ١٩-٢-٢٠٢٤ بعملية خاصة كادت أن تودي بحياته كما سبق وأسلفت أعلاه.
خليل ليس حالة منفردة، وإذ اتسّقت جهود سلطة أوسلو بملاحقة المقاومين ترغيباً وترهيباً وقتلاً واعتقالاً، مع تولي الاحتلال تحويل نابلس إلى سجن كبير محاط بالحواجز والبوابات الحديدية، عدا إطلاق يد عصابات “المستوطنين” في اعتداءات ممنهجة على قراها مثل حوارة ودوما وقريوت ومادما ودير الحطب وبورين وغيرها وغيرها.
أذكّركم بأنّ سلطة عبيد أوسلو اعتقلت أمس عدداً من المتظاهرين في رام الله خلال يوم الإضراب العالمي لأجل غزة، كما اعتقلت عضو مجلس بلدية بيتا عبد السلام معلا. هذا عدا اعتقال -بل اختطاف- عشرات من الطلاب أو ممن يطاردهم الاحتلال، بذرائع واهية حتى لو صدرت قرارات قضائية بوجوب الإفراج عنهم، ومنهم من هو مخطوف منذ سنوات (مصعب اشتية مثالاً) مع التذكير أيضاً بأنّ سلطة أوسلو اختطفت وقتلت أطفالاً (دون ١٨)، كما في جنين وطوباس، وكذلك طلاباً من جامعة النجاح بنابلس.
السؤال الآن: كيف، كيف، كييييييف يمرّ كلّ هذا عادياً؟!
بقلم الإعلامية كاتيا ناصر
