السؤال اللبناني العراقي عن الدولة وليس عن المقاومة؟
الأربعاء   2025/08/20



– سرعان ما يكتشف مَن يستمع إلى النقاشات الدائرة في العراق إلى أن المنطق نفسه يتكرّر بين بيروت وبغداد، حيث الذين لا يريدون سلاحاً يقاوم الاحتلال يُكثرون الحديث عن السيادة ويعتبرون أن أي سلاح خارج مؤسسات الدولة الرسمية هو سلاح غير شرعيّ وانتهاك لمفهوم السيادة، وعندما تجري مطالبتهم بالتعاون لموقف جامع يسمح بتسليح الجيش وتمكينه من تحمّل مسؤولية حماية البلاد ومنع أيّ انتهاك خارجي للسيادة، يتهرّبون ويتحدّثون عن سقوط زمن الدفاع بالقوة مع تطوّر التكنولوجيا إلى حد يجعل القوة الأميركية المهيمنة غير قابلة للصدّ، وفي ظل التعاون اللامحدود بين أميركا و»إسرائيل» تستحيل مواجهة «إسرائيل»، ولا حلّ برأيهم إلا بالسعي لتحييد البلد عن أيّ صراع مع «إسرائيل»، وعدم منحها ذريعة الاعتداء، ومن ضمن ذلك التأقلم على مشهد حرب الإبادة بحق غزة والاستيلاء على كامل فلسطين، وربما التوسّع في الأراضي السورية والأردنية، وصمّ الآذان عمّا يقوله الإسرائيلي عن أطماع تطال لبنان أو العراق من خلال الترويج لتطبيق خريطة «إسرائيل» الكبرى، والقول إن للعراق ولبنان علاقات طيبة مع أميركا، وإن المقاومة عامل استفزاز لهذه العلاقات، والتخلص من المقاومة وسلاحها يجد سبباً إضافياً في استرضاء أميركا عساها تقدّم الحماية من الأطماع الإسرائيلية.
– في حوار مع التلفزيون العربي تسأل المحاورة نائب رئيس الحكومة اللبنانيّة طارق متري عما سوف تفعل الحكومة إذا نزع سلاح المقاومة ولم تنسحب «إسرائيل»، فيجيب أنّها تكون بذلك خالفت الاتفاق وسقط الاتفاق، فتسأله هل يمكن للجيش عندها أن يستخدم القوة وهل يستطيع؟ وهنا يرتبك متري ويقول أنا أتحدث عن رهان، أنا في الحقيقة لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال، ونحن نراهن على ان تلتزم «إسرائيل» بالاتفاق، وهذا هو الحال مع نظيره العراقيّ مهما كان لقبه الحكوميّ، فلا جواب مختلف لدى أحد من مسؤولي حكومات لبنان والعراق وسورية أيضاً، عن سؤال ماذا لو لم تنفع الدبلوماسية؟ وماذا لو قمنا بكل ما يلزم من ذلّ لاسترضاء أميركا و»إسرائيل» وتجرّدنا من كل الأسلحة؟ وبعد ذلك وجدنا «إسرائيل» تتمدّد ثم تتمدّد وتتمدّد؟
– طبعاً، لا مانع لدى أي مسؤول حكوميّ في لبنان وسورية والعراق من أن يُقال له إن ترجمة هذا التوجّه تستلزم الاستقالة من أيّ جهد جدّي لمساعدة الفلسطينيّين لمواجهة كارثة تصفيتهم كشعب إضافة إلى تصفية قضيتهم، والجواب هو زمّ الشفاه وبرم الكفين، كما لا مانع من أن يُقال للمسؤول الحكومي إن ذلك يستدعي إغماض العين عما يحدث لجاره العربي، فإذا توسّع الإسرائيلي في سورية على لبنان والعراق الصمت والدعاء بأن يقف الإسرائيلي عند هذا الحدّ، وإذا تمّ الاعتداء على لبنان على سورية والعراق الصمت والدعاء بأن لا يتوسّع العدوان نحوهما، وإذا استهدف العراق يغضّ لبنان وسورية أعينهما ويقولان بالتأكيد ثمة سبب لا نعلمه وراء العدوان.
– لا مشكلة أيضاً هنا أن يُقال للمسؤول الحكومي السوري والعراقي واللبناني إن أجواء بلاده يجب أن تبقى مجرّدة من أيّ سلاح جوّ او دفاع جويّ وفقاً لدفتر الشروط الإسرائيلي، وإنه يُحظّر على حكومته أن تبحث ولو حبر على ورق بامتلاك أي سلاح حقيقيّ لجيش بلاده، والاكتفاء بأن يكون الجيش قوات شرطة مؤللة مزوّدة ببعض المظاهر العسكرية التي توحي شكلاً بوجود الجيوش، ولا في أن تكون صلاحيات الدولة أقرب لصلاحيات حكم ذاتي إداري، كحال صلاحيات السلطة الفلسطينية، وأن تلتزم أجهزة الأمن بملاحقة كل من يعمل أو ينشر أو يتحدّث أو يفكر، بما يزعج «إسرائيل»، وأن تتعاون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية في تحقيق ذلك، وتلاحق كل حركة مالية لا تروق للإسرائيلي، وتهمة الإرهاب جاهزة، والعداء للسامية كذلك، وتخفيض مستوى صلاحيات الحكم الذاتي إلى ما كان يلتزم به جيش انطوان لحد جنوب لبنان أيام الاحتلال، وماذا عن الاستيطان عندما يستتب الأمر أو قبله كما يحدث في جنوب سورية؟
– المشكلة ليست في المقاومة وسلاحها، التي ليست إلا ذريعة لتسويق الذل والانبطاح أمام الإسرائيلي والتبعية له، وما تسويق وجودها كذريعة يستخدمها الإسرائيلي لشن العدوان إلا كذبة يعرف أصحابها أن للعدوان أهدافاً وأسباباً أعمق لم يتردّد بنيامين نتنياهو بإعلانها بصفته صاحب رؤية ربانية مكلف ببناء «إسرائيل» العظمى من الفرات إلى النيل، فهل تريدون أن تكون لكم دول ذات سيادة تمنع هذا الوحش من اجتياح أوطانكم، وتكون لكم فيها جيوش تحميها، وأبناء وطن يقدّمون الدماء فداء لها، سواء كانوا جيشاً أم مقاومة، لا فرق، أم أن العلف الذي تسمونه ازدهاراً، يمكن أن يكون على حساب الكرامة الوطنية التي تميّز البشر عن البهائم؟

– بالمناسبة لم يُحسن أحد من الذين ناقشتهم على تقديم جواب أفضل من جواب دولة الرئيس طارق متري، بل إن أحداً لم يجرؤ على الجواب على سؤال يدحض مزاعم القدرة المطلقة للقوة الأميركية الإسرائيلية، قدّمته أمام أعيننا المنازلة الأميركية الإسرائيلية مع اليمن ووقف إطلاق النار الأميركي في البحر الأحمر، والسؤال سوف يبقى سؤال المليون دولار وهذا رقم يحبّه أصحاب منطق الذريعة، علهم يجدون جواباً ينسجم مع سرديتهم الذليلة ويربحون المليون؟

أ.ناصر قنديل