نَظّم مركز “باحث” للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية ولجان العمل في المخيّمات الفلسطينية في لبنان، لقاءً سياسياً موسّعاً تحت عنوان ” إنّا على العهد يا قدس “، وذلك يوم الخميس الموافق 27/03/2025، وذلك بمناسبة يوم القدس العالمي الذي أطلقه الإمام الخميني، والذي تحدّث فيه، إلى جانب رئيس المركز الدكتور يوسف نصرالله كل من الرفيق مروان عبد العال “عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” والوزير السابق الحاج محمد فنيش والشيخ ماهر حمّود “رئيس اتحاد علماء المقاومة” والدكتور محسن صالح “مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات”، وقد حضَر اللقاء لفيف من الباحثين ونخبة من الشخصيات الفكرية والسياسية والأكاديمية.
قَدّم اللّقاء الإعلامي الأستاذ حمزة البشتاوي، والذي بدوره طلَب من الحضور الكريم الوقوف دقيقة صمت عن أرواح الشهداء والاستماع للنشيدين اللبناني والفلسطيني، وشدّد البشتاوي على أن يوم القدس هو يوم التعبئة المستمرة لإزالة “إسرائيل” من الوجود وإعلاء كلمة الحق في وجه الباطل، وتجديد العهد للقدس ولفلسطين وغزة وجنوب لبنان وسيد شهداء المقاومة السيد “حسن نصر الله” وكلّ شهداء الأمّة بأننا سنواصل المسير على ذات الدرب.
فيما استهل الرفيق مروان عبد العال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كلمته بتوجيه التحية والشكر لأرواح الشهداء وللجهات الداعية لهذا اللقاء بمناسبة يوم القدس العالمي.
وقال عبد العال في يوم القدس العالمي، الذي أعلنه الإمام الخميني، والذي بات يعتبر من أهم مفردات الثورة الاسلامية في إيران، وأهم أركان الثورة الثقافية على جبهة الوعي، لتصحيح المفاهيم والمصطلحات واللغة التي سادت قبل الثورة، لذا لم نتعامل مع هذا اليوم كمناسبة حصرية ولا من أطلقه أراد ذلك بل أراده يومًا للتضامن العالمي مع فلسطين وإحياءً لكل الرمزيات التاريخية والوطنية والروحية والثقافية للقدس.
وأضاف عبد العال “ولأن للحرب الشنيعة والمدمّرة المستمرة والمتدحرجة أهداف غير مُعلَنة لا تقلّ خطورة عن تلك المُعلَنة، من تصفية قضيتنا إلى تغيير وجه الشرق الأوسط إلى الإجهاز على الثوابت الوطنية الفلسطينية الثلاث التالية خاصّة: لا للدولة الفلسطينية، الضم والقضم التدريجي والتطهير العرقي للضفة وغزة، ولا عودة وبترجمات عملية بشطب الأنوروا ومحو المخيمات في كل مكان، ولا عاصمة اسمها القدس.
مضيفاً إن أخطر ما نعيشه اليوم ليس إعادة احتلال فلسطين فحسب وتهويد القدس التي هي مركز الصراع، بل إننا نعيش اليوم تحدي احتلال الوعي وتهويد المعرفة وطمس الذاكرة، فنجد أنه أصبح لدينا جيل سياسي مشوه، يعتقد أن القدس مدينتين شرقية وغربية، وأن فلسطين هي الضفة وغزة فقط، ويأتي لتبني مصطلحات الاحتلال، كما اليوم تتعرض المقاومة لأشرس حملة شيطنة، وتزييف وتطبيع للعقول، بل احتلال وعينا وإرادتنا، وهذا يساوي تجريد الفلسطيني من فلسطينيته!
وقد طرح الرفيق عبد العال في كلمته ثلاثة أفكار بأسئلة فلسطينية على أطراف النار والمقاومة و معركة الوعي وهي على النحو التالي:
السؤال الأول: من أين تستمد المقاومة مشروعيتها؟
طوفان الأقصى أصاب الوعي الصهيوني بالصميم وأعاد تشكيل الوعي العالمي، وحرر الوعي الفلسطيني نفسه من المقولات والمفاهيم والخيارات الخادعة، لذلك يجري قتال مستمر لأن العدو يريد خلق تراكمات بديلة وتحولات لمصلحته ويستعيد فيها ما خسره على صعيد جبهة الوعي، هدفها:
– تقويض شرعية المقاومة عبر تصويرها كعبء على المجتمع وليس كأداة نضالية مشروعة.
– تعزيز ثقافة الانبطاح والخنوع والهوان بداعي حياة “آمنة” للسكان.
– إضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة، حيث أسماها الرفيق غسان كنفاني “عاطفة المقاومة”، حيث يحاول الاحتلال وأذرعه للترويج بأن سبب الخراب والدمار والاحتلال هو المقاومة.
– الادعاء أنهم ضد حماس كحماس أو أي تنظيم اخر، بل يستهدفون الجميع وضد الفصائل والسلطة والمقاومة معاً وضد الشعب الفلسطيني، لذلك هم ضد حق الشعب الفلسطيني في المقاومة!
وعليه فإن مشروعية المقاومة المستمدة من الرواية الفلسطينية، رواية الحق والعدل والحرية، والتي وجدت عندما وجد الاحتلال وواجب مقاومته، ولا تنتهي المقاومة إلا بزواله، معادلة السبب والنتيجة فلكل احتلال مقاومة، والقضية بإزالة الاحتلال وليس إزالة المقاومة.
السؤال ثاني: هل المقاومة منفصلة عن تاريخ الأمة؟
طوفان الأقصى ليس البداية ولا يختزل التاريخ، هو من صلب المقاومة وهي الابن الشرعي والطبيعي للزمن الفلسطيني الثائر، وملحمة بطولية غير معزولة عن تاريخ الأمة، هناك محاولات لفصلها تعسفيًا عن تاريخها وإخراجها خارج المكان والزمان، والمقاومة سردية كفاحية وجزء من السرديات التحرّرية الكبرى لشعبنا وأمتنا والعالم.
فالأمة والمقاومة، منذ وطأت أقدام الاستعمار والاحتلال على أرضنا، ليسا نباتً شاذً، ولا قوة مستعارة ومستخدمة وأذرع إيرانية إلخ..، بل هي فعل أصيل وامتداد للثورات والانتفاضات والهبات الأولى، منذ أن تم تشكيل أولى مجموعات العمل المسلح في فلسطين (الكف الأخضر) منذ عشرينيات القرن الماضي وتلاها مجموعات القسام و ثورة ٣٦ والحسيني وصولاً إلى الثورة المعاصرة، ومنذ تشكل الأمة العربية وهي تدافع عن نفسها منذ المغول والحملات الصليبية وغزو الغرب وإمبراطورياته والاستعمار القديم والجديد وصولا إلى الإمبريالية والصهيونية، إذاً فالمقاومة هي شرف الأمة وجبهة المقاومة ضرورة استراتيجية لها.
حيث سجل التاريخ أبطال وقادة من عمر المختار إلى عز الدين القسام إلى عبد القادر الحسيني وأبو عمار واسماعيل هنية ويحيى السنوار والحكيم جورج حبش ووديع حداد وأبو علي مصطفى ونضال عبد العال وصولاً للشهيد الأسمى سيد شهداء المقاومة السيد حسن نصر الله، فالنقطة الحاسمة التي يجب إدراكها أننا بين معسكرين لا ثالث لهما المعسكر الأول “الاستعمار الجديد و”إسرائيل” قاعدته وهناك من يتحالف معها عسكريّاً وسياسيّاً وضدنا علناً”، ومعسكر آخر مضادٌّ له يقاوم المشروع الاستعماري والشرق أوسط “الإسرائيلي”، ويساند ويدعم النضال الفلسطيني والحق الفلسطيني.
وهنا يكمن الاختبار الأساسي ألا وهو فلسطين، فمن ينجح في سؤال فلسطين فسينجح في الكثير من الأسئلة، لذلك الإسناد والدعم والمقاومة في لبنان و اليمن العظيم العصي على الرضوخ والعراق وإيران كان طبيعياً وليس غريباً، نصرة للضحية على القاتل وليس العكس! فالصمت هو استسلام للعدوان والتطهير العرقي والإبادة!
السؤال ثالث: كيف نكسر الحلقة التاريخية المفرغة؟
طوفان الأقصى هو ملحمة بطولية ومحاولة شجاعة لكسر هذه الحلقة المفرغة، وكشفت أن الاحتلال الصهيوني ليس مجرد حدثًا، بل هو بنية كاملة، فتاريخنا كله ثورات، هبات، وانتفاضات وبطولات ومعجزات ومعاناة وكوارث وصعوبات، لكننا لنعترف أننا في كل مرة نعود إلى نقطة البداية، وسببها أننا حتى الآن لم نتمكن من أن نكسر الحلقة المفرغة.
وعلينا سؤال أنفسنا لماذا؟ فالمقاومة بنظرنا ليست مجرد خطاب حماسي، بل هي ضرورة وجودية لكسر الحلقة المفرغة وهي إزالة الاحتلال وتحرير فلسطين، سؤالنا الاستراتيجي ننتصر عندما نكسر الحلقة المفرغة.
والنصر الاستراتيجي بالنسبة لنا هو تحرير القدس، هو حسم الصراع في فلسطين يكون باستردادها، والتصدي لصهينة المنطقة وتنصيب “اسرائيل” نفسها كشرطي للمنطقة وكحامي للأقليات فيها، والرد بانتصار الإرادة الذاتية، في وجه الانهزامية، فالمقاومة هي الأمل الواقعي الممكن في الزمن المستحيل.
استراتيجية تستند إلى مراجعة موضوعية ورؤية سياسية سليمة واستراتيجية تحررية جامعة وقيادة وطنية موحدة.
واختتم عبد العال حديثه بتوجيه التحية لصمود شعبنا ولأرواح الشهداء ولبطولات المقاومة على طريق التحرير والعودة.
المصدر:بوابة الهدف الإخبارية