جاك بو Jacques Baud:
عقيد سابق في الجيش السويسري،
خبير ومحلل استراتيجي ومختص
في الاستعلامات والإرهاب والمتفجرات.
نعرض هنا حواراً أدارته المنصة الإعلامية السويسرية “أمل وكرامة” مع الخبير الاستراتيجي جاك بو، حول قصف مجدل شمس وتطورات الحرب في المنطقة وخطاب نتنياهو الأخير في واشنطن.. وإذ نحاول نقل وترجمة وجهة نظر غربية حول ما يحدث في منطقتنا، فذلك لإضفاء إضاءات على فهم المتابع للأحداث عبر زاوية مختلفة وبعيدة عن بيئتنا، ولكنها تترجم الحقيقة وتطابق رؤية جمهور محور المقاومة وأنصارها، خاصة حين تتمثل في رجل استخبارات من المدرسة الغربية والمجتمع الغربي.
عن مجدل شمس يتحدث جاك بو فيقول،
الحديث عن جنوب لبنان بذكر حزب الله حصرياً فيه مكر الرواية، لأن حزب الله ليس المكون المسلح الوحيد في تلك المنطقة، رغم أنه المكون الأبرز، ولكن هناك مكونات عسكرية أخرى ومنها الفلسطينية، وهي مكونات تلتقي في أهدافها واستراتيجيتها مع حزب الله لأن المعركة واحدة، وهي مواجهة الوجود “الإسرائيلي” على الأراضي اللبنانية، هناك مجموعات فلسطينية نشأت في مخيمات اللجوء الفلسطينية، واتهام حزب الله بكل ما يحدث هو محاولة دائمة لتوريط ايران، نظرا للعلاقات المتطورة بين هذا الحزب والجمهورية الإيرانية. لا أستطيع أن أجزم بمصدر الصاروخ الذي قصف مجدل شمس، ولا أستطيع مجاراة رواية اتهام حزب الله، ولكن ما أستطيع قوله هو أن حزب الله وباقي المجموعات المسلحة الفلسطينية في تلك المنطقة لطالما أعلنوا عن عملياتهم وتبنوها دون تحفظ. بل العكس صحيح هم يعلنوها لأنهم في مسار مقاومة ومعركة تحرير، وهذا يختلف عن الطرف “الإسرائيلي” المحتل لأنه خارج الشرعية واقعاً، وهذا ما أكدته محكمة العدل الدولية، التي أقرت بعدم شرعية ما تقوم به إسرائيل في الأراضي المحتلة، وعدم شرعية وجودها أصلاً في المنطقة. الواقع هو أن حزب الله في حالة دفاع دائم، وهذه فلسفة وجوده، ولم يكن يوماً في حالة هجومية، بينما ما تفعله إسرائيل هناك، هو هجوم وخروج عن الشرعية وخرق للقانون الدولي.
حزب الله في حالة دفاع دائم، وهذه فلسفة وجوده،
ولم يكن يوماً في حالة هجومية
وبناء على هذا فإن من يمتهن الكذب ويعتاد عليه هو الطرف الإسرائيلي، وليس التنظيمات المقاومة. فمرتفعات الجولان هي أراض محتلة من طرف “إسرائيل”، ورغم اعتراف الرئيس ترامب بضم الجولان، إلا أن هذا الوضع هو وضع احتلال، والشرعية الدولية أقرت بذلك، وأثبتت أن مرتفعات الجولان هي أراض محتلة. لذا فمن العبث اتهام حزب الله بهذا العدوان، فسكان الجولان هم عرب سوريون وهم إخوة للبنانيين ولن يقصفوا إخوتهم، والاستنتاج هو أنه ليس مستبعداً أبداً أن تكون إسرائيل من قصفت مجدل شمس، وفي كل الأحوال فانا أصدق حزب الله حين يقول أن لا علاقة له بهذه العملية، وأكذّب الرواية الإسرائيلية لأنها امتهنت الكذب، ولها صيت في الاعتداءات العشوائية، وفي السلوك المناقض للشرعية. إن توتر الأوضاع في المنطقة جعل إسرائيل تبحث عن ذريعة للقيام بعدوان على لبنان، وربما كانت تلك ذريعتها. ومن المجدي أن أذكر هنا أنه منذ الثامن من أكتوبر وحزب الله يقصف إسرائيل، ولكنه يحرص في عملياته على ألا يضرب غير الأهداف العسكرية. وبالتالي فطالما أن إسرائيل قوة غاصبة في جنوب لبنان ليس لها أي ذريعة قانونية لشرعنة اعتداء على لبنان، ولكن يمكنها أن توظّف الحيلة عبر ضرب دروز الجولان حتى تبرر اعتداء آخر على جنوب لبنان. وإذا مرت إسرائيل الى اجتياح جنوب لبنان، علينا أن ننتظر أن ردود الفعل ستختلف تماماً عما سبق.
كيف قرأتم خطاب نتنياهو في الكونغرس،
نتنياهو ذهب الى واشنطن في البحث عن شرعية ضائعة، ومن أجل رفع معنويات الجمهور الإسرائيلي، لأنها خسرت في هذه المواجهة كثيراً على المستوى المعنوي والعسكري. وأذكر بأن الناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي قال بوضوح: “إننا نخسر في مواجهتنا لحماس” وأيضاً أذكر أن ما فعلته إسرائيل دفع الحوثيين الشجعان لفرض عقوبات من جانب واحد على إسرائيل، وهم يواصلون هجوماتهم من أجل نفاذ ذلك، ومطالبهم واضحة وجلية، ألا وهي إيقاف العدوان على غزة والدخول في مفاوضات. ولا ننسى أن هذا هو أهم مطلب للمجتمع الدولي، وقد عبّرت عنه محكمة العدل الدولية وكذلك الأمم المتحدة والمؤسسات والمنظمات الدولية الأهم. وحين تقرر إسرائيل الامتثال لهذا القرار، سيتوقف هذا الهجوم الحوثي وأنا على ثقة بأنهم سيكونون عند وعدهم والتزامهم.
وعلى إسرائيل أن تعي أن كل هذا لا يخدم مصلحتها، فكلما تمادى عدوانها وتعاظم كذبها، انفض من حولها العالم، وتبددت روايتها كما حدث مع أوكرانيا. كل هذا دفع نتنياهو إلى الذهاب إلى واشنطن حتى يكسر العزلة التي تطوق إسرائيل. وفي واشنطن أراد أن يحصل على قليل من الاحترام والهيبة التي اضمحلت في الفترة الماضية، وقد تحدثت أنا عن هذه الزيارة من قبل وقلت أن الوضع في أمريكا اختلف كثيراً عن ما قبل، وهناك شرخ في المجتمع الأمريكي بين النخب والشعب؛ الشعب الأمريكي اتخذ مسافة من دعم إسرائيل، وهذه المسافة تزداد كل يوم اتساعاً، وحتى المجتمع اليهودي بما فيه اليهودي المتدين، والذي أعرفه جيداً في نيويورك – بما انني عشت هناك لأربع سنوات – وكنت أشاهدهم يومياً أمام مبنى الكونغرس، رافعين لافتات مضادة للوجود الإسرائيلي في فلسطين. أما عن المجتمع اليهودي اللائكيين فهم ليسوا ضد وجود إسرائيل، ولكنهم ضد سياساتها العدوانية، وقد قاموا بتنظيم اعتصام داخل مقرات الكونغرس للاحتجاج على زيارة نتنياهو وعلى السياسات الإسرائيلية.
أما عن خطاب نتنياهو فلـ50 دقيقة كان علينا أن نتسلح بشجاعة الاستماع له، لكنني في الحقيقة وجدته سخيفاً. ورغم حصوله على 58 وقفة تصفيق، إلا أن المشهد عموماً كان مضحكاً ويبعث على الاستهزاء. لذا لم يشفع هذا التصفيق وهذا الوقوف لنتنياهو، ولم يضفي قيمة على خطاب بروباغاندا الحرب واستجداء المساعدة والعون والابتزاز. فنحن اعتدنا على الخطب التي تتحدث عن السابع من أكتوبر، والتي احتوت كماً هائلاً من زيف الإسرائيليين حول قتل الفلسطينيين لـ1200 مستوطن إسرائيلي. وهو كذب وافتراء، والحقيقة أن معظم من قُتلوا في السابع من أكتوبر قتلوا برصاص الجيش الإسرائيلي، وهذا مثبت وجريدة يديعوت احرونوت نشرت في 12 كانون الثاني 2024 كيف أن الجيش الإسرائيلي – وهو في حالة من الذعر والهلع والفوضى – أطلق النار عشوائياً على كل ما هو متحرك فوق الأرض، وبهذا تسبب في قتل معظم من قيل أنهم قتلوا على يدي الفلسطينيين في السابع من أكتوبر، وقد نشر هذا في عدة مواقع ونشرات إخبارية أمريكية.
أما فيما يخص الرضع المحروقين أحياء فان هذا كذب وزيف، وقد أثبتنا عدم صحته. والرضيع الوحيد الذي حُرق حياً كان على يدي الإسرائيليين، لا يوم السابع من أكتوبر بل سنة 48، حين وضعوا رضيعاً فلسطينياً في فرن خباز، وهذه الحادثة معروفة لدى الجميع. ثم تحدثوا عن اغتصاب جماعي للنساء الإسرائيليات، وكل التقارير التي صدرت أثبتت أنه لا يوجد حوادث اغتصاب، أو على الأقل اغتصاب منظم. وكل ما نشرته جريدة النيويورك تايمز وقع دحضه وتكذيبه في جرائد أخرى أمريكية، وأيضاً من طرف الرهائن المحررين ذاتهم وعائلاتهم، وقد أكدوا أن الاغتصاب لم يحدث أبداً. وبالتالي فنحن في حالة كذب متواصل وكذب ممنهج، وهو ما يظهر أن إسرائيل لا تعيش الا بالتضليل الإعلامي. ولنرجع إلى الرواية الشهيرة والقديمة المتعلقة بالكيان الإسرائيلي وشرعية وجوده على الأراضي الفلسطينية، والحال أن إسرائيل لم يكن لها أبداً وجود في هذه المنطقة، وهي أرض الكنعانيين، وأن إبراهيم هو من أصول عراقية ولا علاقة له بفلسطين. إذاً فلطالما استخدموا التحايل على التاريخ، وانتهكوا هذا التاريخ، لخدمة مآربهم وشرعنة جرائمهم.
الأمر الإيجابي في السابع من أكتوبر هو أن كل الأسئلة الممنوعة صارت تطرح في كل المستويات من طرف العالم والإنسانية، وكل الأجوبة الخاصة بالحقيقة والتي كانت تُحجب عن العالم صارت بين يدي الشعوب. وهذا ما حصل للناس أثناء متابعتهم لما يحدث في غزة، وهذا ليس بسبب السابع من أكتوبر، بل بسبب ما فعلته إسرائيل كردة فعل على السابع من أكتوبر، من عدوان همجي بشع على المدنيين والذي وقع شجبه والتنديد به حتى من المؤسسات الدولية، مثل محكمة العدل الدولية وقد صنفته إبادة جماعية. هذا دفع العالم إلى السؤال عن إسرائيل، وعن ماهية وجودها، وعن زيف الدين اليهودي، وزيف الرواية الصهيونية. وهذا ما يجعلنا نقول أنه حينما نحفر قليلاً نجد حقيقة، ونحفر أبعد فنجد حقائق أخرى، ونكتشف الكثير من الكذب. والآن هناك حالة وعي جديدة تنبعث من كل هذا، والعالم استفاق على رواية زائفة وعلى تحايل دام لثمانين عاما. وعلى إسرائيل ان ترجع للعقلانية وللواقع فهي بصدد خسارة حتى أشد وأوفى المتعاطفين معها، وفي مقدمتهم يهود أمريكا.
وهنا وجب الحديث عن تجويع الفلسطينيين الذي تنكر له نتنياهو في الكابيتول، وادعى أنه سمح بمرور أكثر من أربعين ألف شاحنة في غزة. وهي معلومة مشكوك فيها، فأرقام منظمة تنسيق الدعم الإنساني لا تتجاوز بتصريحها 31 الف شاحنة دخلت غزة منذ السابع من أكتوبر ونتنياهو يكذب، ثم إنه ينسى أن يقول أنه في الأوضاع العادية تدخل غزة خمسمائة شاحنة يومياً، وهذا أدنى ما يسمح للغزاويين بالعيش. وإذا قمنا بعملية حسابية انطلاقاً من المستوى المعتاد لهذه الحاجيات، فإنه كان على “إسرائيل” السماح بمرور 150 ألف شاحنة مواد، يعني ما يقارب أربع أضعاف ما مر من مساعدات. وعليه فإن نية الكذب والافتراء واضحة لدى نتنياهو رغم اعتماده رقماً خاطئاً للأمم المتحدة، ليبرز أن إسرائيل قامت بواجبها. وحتى مع هذه الأرقام المكذوبة هو مدان.
وحين يتحدث عن أخلاقية الجيش الإسرائيلي، مبرراً القصف برسائل الهواتف النقالة للمدنيين، علماً بأن إسرائيل قطعت الإنترنت عن غزة. وعن إلقاء المناشير، نذكره بأن جيشه قصف المناطق التي أرسل لها الفلسطينيين للاختباء، وهنا أيضاً يتواصل الكذب. وحين يتحدث عن رفح يقول أن في رفح 1200 عنصر من حماس ولا يوجد مدنيين. والحال أن الجيش الإسرائيلي دخل رفح يوم 15 أيار، وحسب احصائيات الأمم المتحدة فان ما بين هذا التاريخ و24 تموز قتل أكثر من أربعة آلاف فلسطيني في رفح. فعلى افتراض ان عدد حماس 1200 – وأميل لعدم التصديق – فإن جيشه الأخلاقي قتل ألفين وثمانمائة مدني فلسطيني في رفح، في تلك الفترة فقط.
جيش نتنياهو الأخلاقي قتل ألفين وثمانمائة مدني فلسطيني، بين 15 أيار و24 تموز
وقد قمت بحساب أطنان القنابل التي أسقطتها إسرائيل على الفلسطينيين؛ ففي 26 نوفمبر 2023 كان هناك 15 ألف شهيد في غزة. وحسب رواية الجيش الإسرائيلي فإنهم قتلوا ما بين ألفين وعشرة آلاف مقاتل فلسطيني. وفي تلك الفترة وقع إسقاط أربعين ألف طن من القنابل. أخذت هذا التاريخ مثالاً بسبب دقة الأرقام والتحقق منها وتطابقها مع ما حدث. في هذه الحال قذفت إسرائيل بين 20 و40 طن من القنابل على مقاتل واحد، وطنين من القنابل على كل مدني. وهنا نستطيع أن نقول أننا أمام أرقام تُعدِمُ خطاب نتنياهو وروايته. هذا الرجل لا يمكن إلا أن يكذب، وبصفة مرضية، وخطبه هي بروباغاندا للافتراء والتحايل. ولكن المؤسف والمشين هو أن أعضاء الكونغرس يصفقون ويهللون له دون فهم، وهذا ما يعطينا فكرة واضحة عن مستوى ثقافة وفكر هؤلاء. وهم لا يختلفون عن برلمانيي أوروبا، فلدينا برلمانيون يتحركون انطلاقاً من الأيديولوجيا، لا من الواقع والوقائع والحقيقة. وهذا ما استنتجته من ظهوره هناك، فلم تكن إلا حركة بهلوانية لحصد التعاطف الدولي، وخاصة دعم الولايات المتحدة، ولهذا كنت دائماً أقول: اتركوا من يمعن في ارتكاب الأخطاء لشأنه.
هند يحي_ 🇹🇳 تونس 🇹🇳
لمشاهدة اللقاء باللغة الفرنسية: