خمسون عامًا من الاستسلام الممنهج، خمسون عامًا من تمجيد “العبقرية الفذة” للسادات، ومن الزهو باتفاقيات زُرعت في قلب الأمة لتفصلها عن عمقها العربي وقضيتها الأولى. خمسون عامًا من تغييب الوعي الجماعي، حتى باتت مصر تقف اليوم على حافة الهاوية، مكشوفةً ومستباحةً، تحت رحمة أطماعٍ توسعيةٍ لم تعدْ خافيةً على أحد.
“إسرائيل” اليوم تُعيد ترتيب المنطقة لصالحها، بثباتٍ ودهاء، مستغلة حالة الانقسام والتشرذم العربي. بعد أن أنهكت سوريا، وحيّدت إيران، وحاصرت المقاومة في غزة، يبدو أن الدور الآن على مصر. مخططات معلنة وأطماع موثقة، وتصريحات “إسرائيلية” بلا مواربة عن أراضٍ مصرية مشمولة في مشاريع التوسع الكبرى. ورغم ذلك، لا نسمع ردًّا ولا نرى تحرُّكًا.
إلى الذين يفاخرون بـ”الساداتية”، ويعتبرونها إنجازًا تاريخيًّا، نقول: ما حصده الوطن اليوم من انكشافٍ وضعفٍ هو نتيجةٌ مباشرة لتلك السياسات. من ظنَّ أنَّ السلامَ مع “إسرائيل” كان مصلحة استراتيجية، نراه اليوم يدرك أن الثمن كان سيادة مفرطة وكرامة مهزومة.
إن الدفاع عن مصر لا يبدأ من العزلة والانكفاء، بل من إدراك أن مصير الأمة مترابط، وأن غزة، وسيناء، والقدس، ليست قضايا منفصلة، بل خطوط الدفاع الأولى عن أمننا القومي.
مصر ليست استثناء، وما تواجهه هو حصاد عقود من الخضوع تحت جناح الهيمنة الإسرائيلية والغربية. من يتجاهل هذه الحقائق، يساهم في تأجيل الانفجار القادم، لكنه لن يمنعه.
أحمد كمال-القدس