مقدمة: الصراع كمعادلة وجودية مفتوحة
في عالم تحكمه قوانين التغير الدائم، يبرز الصراع الفلسطيني مع الاحتلال الصهيوني كمعادلة فريدة من نوعها لا تنحصر ضمن سياقات سياسية أو تاريخية محددة، بل تمتد لتلامس جوهر الأسئلة الفلسفية الكبرى حول الحق، الهوية، والحرية. يمكننا أن نفهم هذا الصراع من منظور فيزياء الكم، حيث تتشابك مفاهيم الترابط، التشابك، والاحتمالات، مع رؤًى فلسفية تفسر ديناميكيته واستمراريته رغم التغيرات الإقليمية والعالمية.
الصراع كحالة تراكب كمي: الفلسطيني بين الوجود واللاوجود
في فيزياء الكم، يشير مفهوم “التراكب” إلى إمكانية وجود الجسيم في حالتين أو أكثر في الوقت نفسه. الصراع الفلسطيني يتجلى كحالة من التراكب المستمر، حيث يجد الفلسطيني نفسه بين حالة الوجود المقاوم وحالة الاستلاب التي يحاول الاحتلال فرضها عليه. يسعى الاحتلال إلى تثبيت الفلسطيني في حالة الخضوع واللامقاومة، لكنه يواجه منظومة كمية متغيرة تحافظ على تعدد احتمالات الوجود الفلسطيني: اللاجئ، المقاوم، المواطن، وصانع الهوية الثقافية.
الاحتلال كمراقب كمي: محاولة فرض السيطرة
في التجارب الكمية، عندما يراقب الإنسان جسيمًا، يتغير سلوكه بشكل جذري. الاحتلال الصهيوني يلعب دور “المراقب”، حيث يسعى لفرض سردية واحدة على الفلسطينيين من خلال الاستيطان، التهجير، والسيطرة العسكرية. لكنه يفشل في تثبيت الحالة الفلسطينية بسبب الطبيعة الكمية للصراع، حيث تتشابك عناصر الهوية والمقاومة في منظومة معقدة يصعب حصرها أو قمعها.
التشابك الكمي: الفلسطيني ومحور المقاومة
في فيزياء الكم، يعني “التشابك” أن جسيمين أو أكثر يرتبطان بطريقة تجعل ما يحدث لأحدهما يؤثر في الآخر، بغض النظر عن المسافة بينهما. الصراع الفلسطيني يتشابك مع حلفائه الإقليميين والدوليين ضمن محور المقاومة. فرغم المسافات الجغرافية، هناك ارتباط وثيق بين الفلسطينيين وداعميهم، مثل إيران واليمن، حيث تؤثر النجاحات أو التحديات التي يواجهها هذا المحور على ديناميكية الصراع الفلسطيني، والعكس صحيح.
فلسفة الصراع: جدلية الثابت والتحول
من منظور فلسفي، يمكن تفسير الصراع الفلسطيني كجدلية بين الثابت والمتحول. الثابت هنا هو الحق الفلسطيني في الأرض والحرية، وهو حقيقة وجودية تتجاوز الزمان والمكان. أما المتحول فهو السياقات السياسية والإقليمية التي تسعى إلى التأثير على الصراع.
الثابت: الحق الوجودي
الحق الفلسطيني ليس مجرد مطالبة سياسية أو قانونية، بل هو حقيقة فلسفية تعبر عن ارتباط الإنسان بأرضه وهويته. يحاول الاحتلال إنكار هذا الحق، لكنه يواجه مقاومة فلسفية عميقة ترى في هذا الارتباط جزءًا من جوهر الوجود الإنساني.
المتحول: سياقات القوة
بينما تتغير التحالفات الإقليمية والدولية باستمرار، يظل الفلسطيني قادرًا على التكيف مع هذه التغيرات دون أن يتخلى عن جوهر قضيته. مثل الجسيم الكمي الذي يعيد تشكيل احتمالاته مع كل مراقبة، يعيد الفلسطيني صياغة استراتيجيته وفق الظروف المتغيرة، دون التخلي عن مبادئه الثابتة.
المقاومة كاحتمال مفتوح: من العشوائية إلى الحتمية
في علم الاحتمالات، يمكن فهم المقاومة الفلسطينية كمجموعة من الأحداث غير الخطية التي لا يمكن التنبؤ بها بشكل دقيق، لكنها تستند إلى قواعد ثابتة تضمن استمرارها. العمليات الفدائية، الانتفاضات، والعمل الثقافي الفلسطيني كلها أمثلة على احتمالات مفتوحة تتغير باستمرار، لكنها تصب في مسار التحرير.
النظام مقابل الفوضى
تعمل المقاومة في فضاء كمي يجمع بين النظام والفوضى. الاحتلال يحاول فرض “النظام الإسرائيلي” القائم على الهيمنة والتوسع، لكن المقاومة تخلق “فوضى خلاقة” تعيد تشكيل الواقع وتجعل النظام الاحتلالي هشًّا وغير مستقر.
الزمن الفلسطيني
في الزمن الكمي، لا تسير الأحداث بخطية، بل تتداخل الماضي والحاضر والمستقبل. يعيش الفلسطينيون زمنًا خاصًا بهم، حيث يستحضرون الماضي (النكبة) في حاضرهم (الانتفاضات والمقاومة) لبناء مستقبلهم (التحرير). هذا الزمن غير الخطي يعطل مخططات الاحتلال، الذي يعتمد على الزمن التقليدي لتحقيق أهدافه.
استقلال الصراع عن التغيرات الإقليمية
رغم أن المنطقة العربية والعالم يشهدان تحولات كبرى، يظل الصراع الفلسطيني غير متأثر بشكل جذري بهذه التغيرات لأن ديناميكيته تستند إلى قوانين داخلية أعمق.
التطبيع كتشويش كمي
يشبه التطبيع بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني التشويش في الأنظمة الكمية، حيث يحاول الاحتلال استخدامه لتغيير معادلة الصراع. لكن الفلسطينيين، بفضل منظومتهم المقاومة، نجحوا في تحويل هذه المحاولات إلى فرص لإعادة القضية إلى الواجهة.
محور المقاومة كعامل استقرار
يمثل الدعم الذي يقدمه محور المقاومة حالة من الاتزان الكمي، حيث يعمل على توازن القوى في المنطقة ويمنح الفلسطينيين قوة إضافية في مواجهة الاحتلال.
الخاتمة: الصراع كمعادلة أخلاقية
الصراع الفلسطيني مع الاحتلال ليس نزاعًا تقليديًا يمكن حله عبر التغيرات السياسية أو الإقليمية، بل هو معركة أخلاقية ووجودية تمثل اختبارًا للإنسانية جمعاء. من منظور فيزياء الكم، هذا الصراع هو حالة تراكب معقدة ترفض أن تخضع لقياس واحد أو تفسير بسيط.
في النهاية، الفلسطينيون، كجسيمات كمية حرة، يواصلون تحدي الاحتلال وإعادة صياغة واقعهم باستمرار، معتمدين على فلسفة المقاومة التي تجعل من احتمالات النصر والتحرير دائمًا أمرًا ممكنًا.
خالد دراوشه – الاردن