شخصيّا لا يزعجني في شيء رؤية سوريين مُبتهجين.لم يكن النظام السوري، وهو يشبه النظام العراقي كثيرا، نظام عدل. نظام أمني مخابراتي ضحاياه كثيرة جيلا بعد جيل.

ولكن أسأل عن معنى هذه البهجة إذا وضعناها في الإطار العامّ. نحن أيضا فرحنا وابتهجنا عندما سقط بن علي تماما كما ابتهج ليبيون كُثر ومصريّون أيضا.

وبعد؟ هل حوّلت هذه البهجة قوّة ونظاما ومنعة ومتّنت النسيج المجتمعي؟ لم يكن من هذا شيء مع الأسف.

سؤال “وبعد؟” أكثر مرارة عندما يتعلّق الأمر بسوريا. لأسباب كثيرة منها أنّه وبعد ساعات قليلة دمّرت كلّ المقدّرات العسكريّة السورية. ماذا أفهم وأنا الذي شهدتُ تفنّن الأمريكيين في تدمير الجيش العراقي؟ أفهمُ ما يُفهم: أصبحت سوريا أرضا مُستباحة كلّيا وليس هذا بالمبهج ولا بالمُفرح. ومنها، قبل ذلك، أنّ الهجوم انطلق من ادلب سويعات بعد وقف اطلاق النّار في لبنان وانطلق وغزّة تُذبح. سبب آخر: المبادرة تُركية وما كانت تركيا لتسعى فيها من دون موافقة أمريكيّة وإسرائيلية.عندما أراكم كلّ هذه المشاهد والتجارب من تونس الى مصر الى ليبيا الى العراق ماذا يمكن أن تعني لي بهجة سوريين تنقلها الشاشات وتضيف لها ما يلزم من بهارات.إذا كنت أسخر الآن من بهجتي بسقوط بن علي ذات يوم فلا أظلم السوريين عندما أسخر من بهجتهم. لا لأننّي ساخر المزاج ولا لأنّي مُحتقر للشعوب. منذ 2014 توقّفت عن مقاربة ما يحدث في جغرافيا العرب بثنائية أنظمة وشعوب.

هذه الثنائية تستقيم عندما نهتدي لأجوبة مفيدة عن سؤاليْ الصهيونية والإستعمار.أمّا الإستعمار فحلّه ما يمضي فيه اليمنيون وأسأل الله أن ينصرهم ويوفّقهم لتثبيت سلوكهم درسا مفيدا لنا وللآخرين. وأمّا الصهيونية فبارك الله لنا في رجال غزّة وكلّ التّبجيل والإعتراف بالجميل لرجال لبنان الذين خطّوا بزكيّ الدًماء أبلغ الدّروس من 2000 الى 2006 الى ملحمة أولي البأس.

عندما أعرض ما يحصل في سوريا على الدّروس التي صرت أعتمدها في الحكم والتقييم ماذا يكون الرّأي. الرّأي ما أدوّنه هنا ودوّنته مرّات.وبالعودة الى بهجة السوريين، أتمنّى رؤيتها تتّسع وتزيد. أتمنّى فقط ولكن، عقلا ورأيا واستشراف، تنقص وتنحسر لا لأنّ السوريين لا يستحقّون مزيد فرحة وكثير بهجة ولكن الأسقف هكذا. أيّ شعب تكون أرضه ساحة لصراع نفوذ لا يسعد وعندما يكون جارا للشيطان الصهيوني لا يفرح. إمّا يُنخرُ اذا طبّع كما حدث مع مصر أو هو يُقاوم وتكون المكابدة والأثمان.سوريا جارة لدمار شامل والجار التركي المُبادر مطبّع أطلسي. لسوريا وشعبها الله. أفضّل أن يكون رأيي هكذا على أن أستبشر بعيدا وأسقط في الهذيان.

عندما أعود الى نصوص كتبتها سنة 2011 و 2012 عن بلدي تونس والأمل الذي تملّكني بعد سقوط بن علي أضحك كثيرا. ربّما، حينها، كان بعض من قرأ لي تلك النصوص يضحك منّي.كنت غبيّا وكان ذلك البعض ذكيّا حكيما. أرى مُستبشرين كثر بأحداث سوريا يسخرون من أنفسهم بعد حين. فقط تُطلّ الأهوال ويفهم.

د.الهذيلي منصر 🇹🇳 تونس