من أساسيات وبديهيات التصوير الفوتوغرافي عند التقاط صورة لشخص أو عنصرٍ ما أن تجعله في مركز الصورة، وحينما تقرر إبراز المركز تعمل على رفع مستوى الوهج الضوئي عليه وتخفف منه بشكل تدريجي نحو أطراف الكادر، فنقول بأن مركز السيادة في اللقطة هو هذا الشخص أو ذاك العنصر، وفي بعض الأحيان يعمل المصور الماهر على جعل مركز السيادة في طرف الصورة مع مراعاة تهميش وتظليل باقي الإطار وتحييده من الكادر.

مركز السيادة ليس حكراً على التصوير الفوتوغرافي، فجميعنا يراعيه عند إختيار مكان تثبيت التلفاز حتى يكون في مرمى نظر كل من يجلس في غرفة المعيشة مثلا، وعندما تضع طبق الطعام الرئيسي على سفرة مليئة بالمقبلات.

تخيل عزيزي القارئ بأنه بمثل هذه البديهيات تقوم وسائل الإعلام بوضع عناوين في محل تركيز كما تعمل بعض القنوات التلفازية بتسليط الضوء على ما ترغب تلك القناة في إبرازه حتى تجعل منه عنصر سيادة ليصبح الأهم والأكثر تداولاً بين متابعين تلك القناة بالإضافة إلى تهميش سواه وإن كان ذا قيمة أعلى من حيث الأثر الحقيقي.

رأينا جميعا ما تداولته معظم القنوات الإخبارية في جعل سجن صيدنايا مثلا ومن أُسِر به، مع إضافة الكثير من المبالغات حوله كالإستعانة بصور مفبركة أحيانا والأوقاف الكاذبة أحيانا أخرى، وفي المقابل تم تهميش ما يفوقه بالأثر مثل غياهب زنازين سجون الكيان المحتل وما يمارسه السجانون من خرق صارخ لحقوق الإنسان ولكن دون حسيب ولا رقيب رغم انتشار العديد من الأخبار والصور حول انتهاكات السجانين تجاه الأسرى.

تم وضع سجن صيدنايا في مركز سيادة الكادر بالإضافة إلى تهميش العديد من العناصر المترابطة كما حدث ويحدث من توغل لدبابات الكيان و وصولها إلى مشارف العاصمة دمشق ولكن دون اندهاش
ولا حتى انتباه.

تماما كما يسلط الإعلام المعادي الضوء على حدث ما في لبنان على سبيل المثال ليخفي حرب الإبادة الواقعة على غزة وشعبها الصامد منذ عام وأكثر من شهرين.

كلنا رأينا الشرطي الأمريكي وهو يتكئ على عنق مواطن أمريكي من ذوي البشرة السوداء حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ومن ثم رأينا ذات الشرطي حراً طليقاً دون أن يحكم عليه بعقوبة توازي ما فعل حين تسبب بإزهاق روح مواطن أمريكي “من الدرجة الثانية”، وها هي اليوم أمريكا تُنظِّر وما زالت تحاول أن تصدر الوجه الديموقراطي للعالم وكأنها واحة الأمن والمساواة بين الأمم.

لذلك لا تصدق كل ما تسمعه أُذناك وصدق نصف ما تراه عيناك واترك الباقي لعقلك.

صلاح الدين حلس