يتجلّى محور المقاومة كمعطىً استثنائي في تاريخنا، عظيمٍ في واقعنا العربي ذي قيمةٍ كبيرةٍ في المنطقة، قائمٍ كهرمٍ بُنِيَ حجراً فوقَه حجرٌ خلال سنواتِ المواجهة والصمود وفي أعلى قمة هذا المحور يتربع سماحة السيد حسن نصر الله، قائدٌ يتحدث باسم هذا الجسم الصلب المتراصِّ الموحَّد ، لا يشبه أحداً ممن عهدنا وعرفنا وعايشنا من قادة وزعماء على مدى تاريخنا المعاصر..
في الأول من أغسطس 2024 وبعد يوم من اغتيال القادة فؤاد شكر و إسماعيل هنية ، لبّى السيد نداء الواجب و أطلَّ على الجماهير المتعطشة للُقياه، ظهر هادئاً، رصيناً، واثقاً، حازماً كما عهدناه، راحة صوته كانت مختلفةً، لم ترتفع النبرة لكنها كانت مرعبةً لمن عاداه ، مطمْئِنةً لمَنْ والاه.
لا أعرف كيف قرأ الخبراء الأمريكيون والصهاينة لغة جسده و إيماءات وجهه ، لكنها حقاً كانت تحمل الكثير من الأسرار و الرسائل ..
كان خطاب السيد مقتضباً و جاداً ينمُّ عن رباطة جأشه و هدوء أعصابه رغم كثافة و خطورة الأحداث ، ومستوى الاحتكاك وقدر المصاب وحجم الدم، لقد رسخ سماحته في خطابه الثوابت :

  • الأخلاق العالية ومشاعر الأبوة و التحنن و الفخر تجاه الشهداء ،وكان السند و الظهير و المعين لعوائلهم من خلال كلماته.
    بكلماته كان وفياً لمن قدَّم الدم في هذه المعركة وفي جُلِّ معارك الشرف والكرامة، و طمأنَ الجميع بأنه حاضرٌ وجاهزٌ من أجلهم.. ألم تقل تلك السيدة الفاضلة المكلومة بفقد ولديها في تفجير مبنى الضاحية وهي تشيع فلذات كبدها أنَّ “السيد يحزن عليهم وعلى أبنائهم أكثر منهم؟ و و أنّ كلَّ هذه الأثمان فداء للسيد و للوطن”؟..
  • الجانب السياسي في الخطاب: وصف السيد هذه الاغتيالات بأنها محاولة للنيل من هيبة دول المحور ، و اغتيال هنية في طهران هو انتهاك للشرف الإيراني، كونه كان ضيفاً و هم قتلوا ضيفها ، ومن لا يعرف معنى الشرف في السُلَّم القيمي لشعوبنا ، فالشرف جامع في ثقافتنا للأديان والأجناس، وله مكانة رفيعة و مختلفة عن مكانته عند باقي شعوب العالم، و المساس به يستوجب الثأرَ كالتزامٍ و واجبٍ أخلاقيّ.
    و أيضاً وصَّف السيد الاستهدافات أنه انتهاكات واضحة لسيادة العواصم الآمنة ،و أشار بشكل مباشر إلى المجرم الأكبر الشيطان الأمريكي.
    تحدث عن خزي وانحطاط العدو وعن جرائمه على الأبرياء في مجدل شمس لإشعال الفتنة ، و أشاد بالوطنيين من أبناء لبنان وسوريا الذين لم يسقطوا في فخ هذا العدو المخادع، كما وتوجه بالشكر إلى الزعماء الذين لم يتركوا للفتنة باباً تمرُّ منه بكلماتهم و تصريحاتهم و أفعالهم ، بل دافعوا عن الوحدة وعن موقف المقاومة.
  • الجانب العسكري في خطاب السيد: لقد تم اتخاذ القرار، فسماحته لم يهدد أو يتوعد بل أعلن جهاراً أنَّ “ما بيننا وبينهم الأيام والليالي والميدان”..
    أعلن التحول من مرحلة الإسناد إلى مرحلة المواجهات المنفصلة مع دول المحور، رغم إعادة التأكيد على أن المحور لم يختار الحرب ، وهو قادر على خوض غمارها بل هو يتقنها ويمسك بخيوطها، و قد أرسل السيد رسالة لمَّح فيها على ما سيلقاه العدو حال دخوله هذه الحرب ، بقوله: “اضحكوا قليلاً فستبكون كثيراً”..
    لا أحد يمكنه توقع من أين ستنطلق راجمات اللهب؟ من الشمال أو من الجنوب أو من الجهات الأربع؟! ..
    هل ستكون ضربة خاطفة وقوية أو متواصلة في الزمن؟
    هل ستتبعها ضربات أم ستكون وحيدة و كاسحة؟
    من المستحيل تنبؤ ذلك !! أستكون جماعية أم سيتكفل كل طرف في المحور بموقع ما أو هدف ما ؟؟ لا أحد يعرف.. هل ستستهدف مدناً أم مصانع أم قواعد، أم أشخاصاً في قيادة الكيان؟ لا أحد يعرف..
    كل ما نعرفه أننا نثق في خيارات قادة محورنا ، و نتيقن امتلاكهم بنك أهداف كبير و واسع و هو تحت نظر سماحة السيد وقادة المحور، و هم من يعلم أين سيبدأ الرد وكيف سينتهي، خلافاً للعدو الذي لا يعرف كيف بدأ ولا أين هو ذاهب ولا كيف سينتهي..
    لقد ترك السيدُ العدوَّ في حالة حيرة و خوفٍ وترقب، وحاصره بحربه النفسية التي يتقنها جيداً، و يدرك مفرداتها ، فتركه ينزف رعباً و يترصّد هلاكه و موته..

توحي كلمة السيد أن المحور ليس فقط جاهز للرد على العدوان السافر والجبان للكيان ومن خلفه، بل هو جاهز للحرب المفتوحة ولما يترتب بعدها .. وأن كل الحسابات وكل الاحتمالات والفرضيات لها خطط جاهزة ، فلا خوف على المقاومة ولا خوف في المعركة، و النصر حتمي إن شاء الله.

ما نختم به بعد سماعنا هذا الخطاب المقتضب للسيد أن هذا الرجل قادر على إعلان النفير العام من منبره في كامل جغرافيا الوطن العربي والمنطقة المجاورة .
حفظ الله السيد وأدام نعمته علينا وعلى أحرار العالم،
المجد والخلود لشهدائنا والنصر المبين لمقاومتنا الباسلة.

هند بلحاج-تونس