لقد تبين الرشد من الغي، وظهر للبشرية أننا في سوريا لم نكن نشهر السلاح في وجه ثورة ، بل كنا ندافع عن وجودنا في مواجهة “طوفان” “تل أبيب”. فالسيناتور الصهيوني جون مكين – حين تسلل إلى شمال سوريا – ما جاء لزيارة أحفاد المجاهد عز الدين القسام،  بل ليساند “طوفان تل أبيب الجهادي”. ولم يلق العدو الصهيوني القبض على عميد الأسرى المحرر البطل صدقي المقت لأنه نقل الدواء والسلاح إلى (المجاهدين) في سوريا، بل لأنه نقل حقيقة “طوفان تل أبيب”، والتقط الصور لمجاهدي ثورة أردوغان والقرضاوي وهم يتلقون العلاج في مشافي “تل أبيب”. أما اليوم فإن “تل أبيب” تقصف المستشفيات في غزة لمجرد ظنها أنها تحولت إلى مقرات سرية لقيادة المقاومة الفلسطينية. وعند هذه الحقيقة المريعة تتجلى أمامنا حقيقة ما كان يجري ومازال يجري  ضد دمشق؛ إنه “طوفان تل أبيب” الذي لم تمسه أيادي الأعداء الصهاينة إلا بمسحة رحمة من أياد الأطباء والممرضات الصهاينة!!!


فمن تداعت لأجل نصرتهم  الأمم العربية والمسلمة في مواجهة دمشق، لن تجد لهم اليوم أثراً في مواجهة العدو الصهيوني الذي يعمل على إبادة أهل غزة. فهل عرفت مكمن السر في محاربة دمشق ؟! إنه لفصل دمشق عن مشهد غزة اليوم!  لقد تجرأت الأنظمة العربية المستسلمة ومعهم الترك المتأسلمين على فعل ما لا يجرؤون على فعله ضد خيال جندي  صهيوني. وهنا تنتفض كل الحُجُب عن حقيقة ما كان يجري ضد دمشق وجيشها العربي السوري؛ فقد قاتل هؤلاء دمشق بكامل قواهم “الجهادية” المسعورة طائفياً، ورصدوا لها الإعلام القرضاوي الناتوي القطري الثري، ودعاة مساجد النفط في كل الخليج، والتي كممت اليوم مآذن مساجدها عن النطق بذكر الجهاد، في خضمّ أعظم ملحمة جهادية ضد الصهاينة المحتلين. فمن كُممت مآذنهم عن نصرة غزة وفتحت لقتل دمشق، إنما هم من كانوا يقاتلون لأجل “تل أبيب” بعلم أو بغير علم. بإمكان عقلك اليوم أن يستنفر شمسه، ويشرق على ظلمات الكذب الرجيم، الذي أكل لحوم المسلمين والعرب؛ فها هي غزة اليوم تُحرَق والنظام العربي يرى أمنه القومي بانفصاله الكلي عن المشهد العسكري والسياسي والأخلاقي في معاناة غزة. ألم يصرّح هؤلاء أنه من واجبهم نصرة المسلمين في دمشق، فحشدوا الحشود ودفعوا بسيول الأموال والسلاح، ثم حجبوا كل ذلك الإمداد عندما احتاجه المسلمون لرد “تل أبيب” عن إبادتهم.؟!!. وهنا تبرز لنا حقيقة  لماذا قاتل هؤلاء دمشق.!!

إن الذي استطاع أن يجمع مئات الآلاف من المسلحين لمهاجمة دمشق وتدمير سوريا، هو نفسه الذي يقف اليوم عاجزاً مستسلماً جباناً خانعاً يتوارى خلف داعية للسلام أمام “إسرائيل” ولأجلها، وهو أصغر من أن ينطق كلمة واحدة دعماً لغزة. ثلاثة عشر عاماً وسوريا تصارع الفناء بكل أشكاله الدموية، ولم نر هؤلاء “دعاةً للسلام” بين أبناء الشعب السوري الواحد، بل رأينا توحشاً في المواقف سيما القطرية منها، وتحول “سلام” هؤلاء إلى “عداء” فيما بين السوريين. إذاً فمن الذي أصر على سياسة الاحتراب البيني السوري، وتطرّف في السلام بين الجناة من العدو الصهيوني والمجني عليهم من الفلسطينيين ؟!


هكذا يتبين لنا أن دمشق كانت تواجه طوفان “استسلام العرب والمسلمين لتل أبيب”، وأنها ما كانت تواجه ثورة، دمشق كانت وما زالت تواجه “طوفان تل أبيب”؛ وإلا فكيف يقود الأسد مصالحة سورية-سورية لوقف الدم، بينما يتشدد هؤلاء بالعمل على استمرارية الاحتراب. ومرة أخرى: فمن هو الذي  مع العدوان، ومن ذا الذي هو ضده؟ أليست دمشق من كانت ومازالت تعمل ضد العدوان آخذة بالمصالحات؟

اليوم بإمكانكم التحدث عن معركة بين طوفانين: طوفان الاستسلام العربي المسلم – وهو في باطنه طوفان تل أبيب -، وطوفان الأسد  الذي أدار المعركة الأم منذ تولّيه المواجهة عام ٢٠٠٠ م. من المؤكد أنكم  تذكرون السلام الشامي الذي كانت تحياه سوريا (والذي جذب دول العالم للاستثمار فيها)، وكان ذلك قبل عام ٢٠١١ م، ومن المؤكد أنكم جميعاً – حتى أعداء الأسد – تعلمون جيداً أن كولن باول حمل إلى الرئيس الأسد مطالبَ فصل رأس المقاومة الفلسطينية عن دمشق من خلال إخراج كل فصائلها منها. وهذا يعني أن يقوم الأسد بفصل دمشق عن القدس، وفصل المقاومة عن فلسطين، والأموي عن الأقصى، وفصل دمشق عن الشرف، وإفراغ جعب المقاومة من الذخيرة، وكشف ظهرها لغدر العرب والأتراك، ونقل دمشق من عملية الإسناد للمقاومة إلى عملية الإطباق عليها.


ومن هنا بدأ تشكل طوفان دمشق؛ فالأسد لم يكن في مواجهة دبلوماسيّ – هو وزير خارجية أقوى دولة في العالم حينها – بل كان في مواجهة ناطق عسكري رسمي، باسم طوفان عسكري أمريكي غربي وعربي تركي قد احتل العراق. لقد وقف الأسد هناك وحيداً كما وتد نور في لجة الشرق المظلم، وحيث لم يكن هناك لا روسي قوي ولا صيني يتحدث بقوة كما هو الحال اليوم.


كانت عندها لغة الأسد طوفاناً، وبهذا أصبح الأسد من يومها أولَ جراح يعمل في فصل الرأس اليهودي عن فلسطين وعن كل الجسد العربي  والمسلم؛ فكانت الحرب مع الأسد هي حرب الفصل بين الرؤوس، ولكنهم ما نجحوا في فصل دمشق عن فلسطين، ولا بفصل دمشق عن المقاومة. وكيف لجسد أن يقدم رأسه لعدوه، بل حتى لحليفه، فهو يحيا بذاته وليس بذوات الآخرين. من هنا ظهر لكل قارئ – خبيثاً كان، أم ذا رؤية سليمة أخلاقياً – أن دمشق كانت تقف في مواجهة جشع العالم المادي القذر.


وهنا قرروا الدخول إلى دمشق عبر الحمقى الطائفيين لفصلها عن ذاتها، وبدأ “طوفان تل أبيب” ضدها. وكانت الأيام الأولى تشهد ذبحاً طائفياً على الهوية، بدأت حكايته مع ذبح الفلاح البسيط نضال جنود في مدينة بانياس الساحلية، ثم استهداف حافلات المبيت للعسكريين العزّل، ثم محاصرة مفرزة الأمن العسكري في جسر الشغور، وقتل وذبح وتقطيع مئة وعشرين شخصاً كانوا متحصنين داخلها في حالة دفاع عن النفس. كان ذلك كله في الأيام الأولى من طوفان الجهاد العكسي، وبهذا عملوا على حرب تعيد دمشق إلى الصراع مع جسدها، بينما كانت دمشق تفصل رأس تل أبيب عن العالمين الإسلامي والعربي؛ لقد أرادوا بهذا فصل دمشق عن المواجهة مع الخارج. لذلك فإن حجم الحرب على سوريا لأعظم برهان على حجم تأثير موقف دمشق المقاوم على وجود “تل أبيب”.

القوة الوجودية للأمم لا تتشكل بعامل ظرف عابر، بل عبر تراكم مواقف العظماء؛ فما تشاهدونه في غزة هو تراكم ردودٍ هي أعمق بكثير مما يخيل للبعض (من أن الرد ضد تل أبيب، يكون مجرد غارة قبالة غارة وقذيفة بقذيفة). نحن لا نمارس الرد بالرد، بل الوجود قبالة الوجود. فدمشق لا يستهدفها العدو الصهيوني لأن سياساتها تقوم على الرد اللحظي، بل لأنها برمجت سياساتها على ردٍّ بحجم الطوفان الذي ترونه اليوم ضد “تل أبيب” . دمشق لا تعبث في قراءة المتحولات، بل صنعت مع حلفاء المحور إدارةً محكمةً للمواجهات، في حال قرر حزب الاستسلام العربي والمسلم (الحزب الأكبر في تاريخ البشرية) تصفية دمشق، من خلال تحالفه مع أمريكا والغرب، كما فعلوا مع العراق وليبيا. ولهذا شاهدنا اليوم تشبيكاً للجبهات، لجعل العدو ينقبض خلف كل ما خلّفه الربيع العبري الدموي، بعد أن كان يظن بأن قوة المحور سوف تلقى حتفها، بسقوط بعض أبناء المنطقة في كمين الربيع العربي !

يامن أحمد-سورية