أولاً: مقدمات لا بد منها
تقع قضية تحرير فلسطين والأقصى في قلب عقيدة المكوّنات المختلفة لمحور المقاومة، وعلى هذا الأساس الصلب تم التخطيط والإعداد لسنوات، وحين يكون الهدف السياسي نابعاً عن عقيدة راسخة يعني أنّه غير قابل للمساومة الاستراتيجية أو البيع أو التنازل تحت أي ظرف أو شرط.
كما أنّ قضية تحرير فلسطين ليست عقائدية وحسب، بل هي قضية انسانية عالمية بحجم وطبيعة الظلم الواقع على أهلها وبطبيعة المشروع الصهيوني وعلاقته بالإمبريالية العالمية باعتباره قاعدة إمبريالية متقدمة زرعت في وسط الأمّة العربية والإسلامية وعلى الحدود بين آسيا وأفريقيا – معبر رفح ومحور فيلادلفيا- بهدف تفريق الأمّة وإجهاض نهضتها وتسهيل استعبادها ونهب خيراتها ومواردها الطبيعية والاقتصادية والبشرية، ومن هنا كان مشروع تحرير فلسطين بالمعنى السياسي العلمي هو مشروع تحرير العالم أو على أقل تقدير خطوة رئيسية على طريق تحرير العالم من هيمنة وسطوة النظام الرأسمالي الإمبريالي الذي تشكّل أساساً على قواعد الإبادة والنهب والاستعباد والذي عاث في مختلف أصقاع الأرض فساداً وخراباً وتقتيلاً ونهباً وإفقاراً، وهذا يعني أنّ أصدقاء الشعب الفلسطيني وقضية تحرير فلسطين يمثلوا الأغلبية الساحقة من الشعوب والأمم على كوكب الأرض، أي كل الشعوب والأمم والطبقات التي طالها ظلم وقهر وسحق هذا النظام.
كانت مقدمة أولى لا بد منها للقول أنّ أعداء النظام العالمي والصهيونية العالمية من أحزاب وحركات ودول وطبقات لم يتوقفوا يوماً عن النضال والمقاومة في حرب مفتوحة بين الشعوب من جهة والنخبة الحاكمة والمهيمنة على مقدرات ومصير البشرية من الجهة الثانية، وفي هذه الحرب حقق مناضلوا الحرية والانعتاق العديد من الانتصارات وألحقت بهم العديد من الهزائم، إلّا أنّ استمرار النضال والمقاومة وتراكم الخبرات والقدرات والأدوات رغم مستويات الظلم والقهر والقمع يعتبر في حد ذاته نصراً استراتيجياً لأنّه سيقود حتماً ويقيناً إلى النصر السياسي في الإطاحة بنظام الاستعباد والقهر والسحق، الرأسماليّة الإمبريالية والصهيونية العالمية.
كانت مقدمة ثانية لا بد منها للقول أنّ اندلاع طوفان الأقصى وإن كان تعبيراً عن قضية سياسية عادلة محليّة – قضية تحرير فلسطين- إلّا أنّه وبالضرورة حمل أبعاداً إقليمية في الوطن العربي والأمّة الإسلامية وأبعاداً عالمية عند الطبقات المسحوقة والشعوب المقهورة، وفي نفس الوقت وبنفس الضرورة استفزّ جميع مكوّنات ومقدرات الرأسمالية الإمبريالية والصهيونية العالمية على كافة الجبهات الإعلامية والثقافية والاجتماعيّة والقانونية والمؤسساتية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وبحكم المنطق البسيط للأمور، فإنّ اشتداد مفاعيل الطوفان ومآلاته سيعني بالضرورة استعار وتوحّش مكوّنات الإمبريالية والصهيونية لحدود غير مسبوقة لا يمكن للعقل البشري تصوّرها.
ثانياً: معضلة غزّة: ورقة بيد من؟
في قلب هذه المعركة الفلسطينية العربية الإسلامية العالمية تم استهداف قطاع غزّة بشكل خاص بواحدة من أبشع عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والقتل الجماعي والتجويع والتعطيش التي عرفها التاريخ البشري المكتوب، وكان هذا للأسباب التالية:
- الانتقام الجماعي لتدفيع الحاضنة الشعبية ثمن المقاومة نحو تأليبها ضدها، وإجهاض البنية التحتية الاجتماعية للمقاومة.
- استعادة هيبة الردع الصهيونية، وبث الرعب في نفوس المناضلين الأحرار في كل مكان.
- تفكيك وتدمير القدرات العسكرية والتنظيمية للمقاومة الفلسطينية في غزة.
- أخذ جميع سكّان غزّة كرهينة بشرية مجوّعة ومعطشة وتقتل يومياً وتوظيفها كورقة ضغط ضد محور المقاومة.
وإن كان صمود ونضال أهل غزة ورقة قوّة رئيسية في وجه المشروع الصهيوني ومن خلفه الإمبريالية العالمية، إلّا أنّ المجزرة الجماعية التي يتعرض لها الغزاويون كانت وما تزال ورقة رئيسية بيد أعداء البشرية وحساب ثقيل بمسؤولية ثقيلة يدخل عند تقدير كل خطوة وكل حركة للمحور الذي يعمل لتحقيق سلّة من الأهداف في مقدمتها وأساسها وقف العدوان على غزّة.
ثالثاً: لقد دخلنا فعلاً مرحلة جديدة من الطوفان
في 30 تموز اغتالت اسرائيل الشهيد فؤاد شكر أحد قيادات حزب الله من الصف الأوّل في بيروت، تلاه اغتيال الشهيد اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران، وهذا يعني:
-استهداف عاصمة إيران وعاصمة لبنان.
-استهداف مدنيين في لبنان.
-اغتيال أحد رموز حزب الله في لبنان.
-اغتيال رمز سياسي في طهران.
تزامن ذلك مع عمليّة عسكرية نفذتها الولايات المتحدة في العراق عقبت زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة وخطابه في الكونغرس، وهذا يعني:
-موجة التصعيد الجديدة هي قرار أمريكي إسرائيلي مشترك.
-ذهاب الإمبريالية العالمية والصهيونية إلى خيار مشترك نحو توسيع رقعة الحرب ومستواها.
وسيقود ذلك إلى ما يلي:
- تحرر مكوّنات المحور من قواعد الاشتباك السابقة.
- فتح الباب أمام تدخل روسي أوسع كرد فعل على التدخل الأمريكي الأوسع عسكرياً وأمنياً.
- حقيقة الطوفان تتجلّى تدريجياً لتتخذ صورتها الكاملة والأوضح: أنّها جزء من حرب عالمية ضد مكوّنات النظام العالمي الحالي؛ رجل العالم العجوز والمريض، وأعتقد أنّ هذا المنحى سيظل في تصاعد مستمر.
ولكن رغم كل ذلك وبسببه تبقى ورقة المجزرة الجماعية في غزّة هي الأثقل في كفّة المسؤولية السياسية والأخلاقية أمام مكوّنات المحور، فما الحل؟
بعبارة واحدة قدم أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير في الأوّل من آب 2024، حلاً حاسماً لهذه المعضلة المركبة: الاستمرار في عمل جبهة الإسناد والتي هدفها الأساسي وقف العدوان على قطاع غزة وحماية أهله ومقاومته، وفصل هذه الجبهة عن أي خطوات سيتخذها حزب الله كتعبير عن حقه في الرد على اغتيال فؤاد شكر واستهداف بيروت وقتل المدنيين.
وأخذاً بعين الاعتبار طبيعة معركة طوفان الأقصى وقضية تحرير فلسطين وطبيعة أعداءها أرى أنّ هذا المنحى سيظل متصاعداً، أي أنّ التمييز بين دور حزب الله كجبهة إسناد ودوره كجبهة اشتباك مباشر سيبقى مستمراً ومتصاعداً.
لقد دخلت شعوب المنطقة والعالم مرحلة جديدة من حرب الشعوب المفتوحة ضد النخبة العالمية المهيمنة، مرحلة ستدور رحاها على أراضينا العربية والإسلامية بما فيها أرض فلسطين التاريخية وسيروح ضحيّتها أعداد كبيرة من المدنيين والمناضلين، وسيذكر التاريخ أنّ دماء اسماعيل هنيّة وفؤاد شكر كانت الجسر الذي عبرته أمّتنا نحو المرحلة الجديدة على طريق التحرير الكامل والحرية التي حدودها السماء.
علي حمدالله- 🇵🇸 فلسطين 🇵🇸