المتابع لما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدا في المستجد على “المسألة السورية” يصل لنتيجة مفادها بأن شعوب المنطقة العربية تم تعبئتها لتصبح مسكونة بالمسألة الطائفية، واظهارها وكأنها باتت مستسلمة لمفاهيم يتم ترديدها دون معرفة ويتم تسويقها وكأنها مسلمات، وهذا ما رأيناه ورغم كل التوجيه والتعبئة يتراجع عندما تحقق قوى المقاومة إنجازات في إطار الصراع مع العدو الصهيوني.
لكن عمى الألوان لدى بعض النخب الفكرية والسياسية والتي لا يمكن توصيف بعضها الا بأنها تقوم بدور مثقفو الهزيمة، وهم الذين باتوا وسواء كان بقصد او بدون، المروجين للمشروع الصهيوني ومخططاته في المنطقة.
والاخطر بأنه يطل علينا بعض أصحاب الياقات المنشية ومن خلال وسائل الإعلام المتعددة ليتحفونا بالقول، أن السابع من أكتوبر كان فعلاً مغامراً، محملين المقاومة الفلسطينية مسؤولية المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني في غزه، ناسين أو متناسين بان الصراع العربي الصهيوني لم يبدأ في ذلك اليوم المجيد، والبعض الآخر يحمل المقاومة اللبنانية المسؤولية لقيامها بإسناد المقاومة والشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة وتطهير عرقي لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً له.
والخطير أيضاً هو ما يبثه الإعلام المتصهين، والذي مع الأسف أصبح يشكل وعياً عند الشعوب العربية وذلك بسبب فقدان المناعة الوطنية والقومية لدى قطاعات واسعة من الشعوب العربية، والتي تنازلت عن دورها وانشغلت في قضايا لا قيمة لها أكثر من انشغالها بقضايا اساسية مثل التحرر الوطني والدفاع عن مقدراتها ومستقبلها ومكانتها في عالم لا مكان فيه للضعيف، فمباراة كرة قدم بين هذا القطر العربي أو ذاك، باتت أهميتها لدي البعض أكثر من القضايا المصيرية نتيجة للتعبئة الموجهة من وسائل اعلام مشبوهة.
الإشكالية الكبرى لدي بعض هذه النخب خاصة التي تغلب عليها ذهنية الثأر لحسابات ضيقة على المصالح الوطنية أو القومية، ويغيب عن تحليلها ان كل الامراض التي تعيشها المنطقة، سواء كانت طائفية، مذهبية، جهوية.. الخ
سببها وجود هذا الكيان السرطاني المسمى “إسرائيل” المانع والحاجز لاي شكل من أشكال الوحدة والنهوض.
فالبعض ما زال يصر بأن يعيش حالة من العمى السياسي، وذلك بتقديم الثانوي على الرئيسي، وتحديداً فيما يجري في سوريا، فالخلاف مع الحكم في سوريا يجب لا يغّيب بأن هناك عدوان ارهابي تقوده مجموعات مدعومة من قوى إقليمية ودولية، تمتلك أسلحة متطورة ربما جيوش لا تملكها.
اذاً هذه ليست قوى سياسية تختلف مع النظام، بل هي مجموعات إرهابية منظمة مدعومة سياسياً وعسكرياً ومالياً من قبل قوى هدفها إسقاط الدولة الوطنية السورية. وعلى أصحاب الرؤوس الحامية المسكونين بالطائفية التوقف قليلاَ والتأمل والإجابة على اسئلة بديهية.
هل من باب الصدفة قيام هذه المجموعات الارهابية بالهجوم على حلب بعد ساعات من تحذير الارهابي نتنياهو للرئيس الأسد بأنه يلعب بالنار، وذلك بسب دعم سوريا لقوى المقاومة.
كما أنه على هؤلاء المنتشين أو المتشفين بسوريا ان يتساءلوا، ما هو الرابط بين هذه الجماعات الارهابية والكيان الصهيوني!!
ولماذا جاء هذا الهجوم على سوريا مباشرةً بعد وقف إطلاق النار في لبنان!!
واين هي القطبة المخفية لهذا العدوان في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وتغيير الخرائط في المنطقة، الذي طرحه نتنياهو ومن على منبر الأمم المتحدة، والذي اجُل بفضل صمود المقاومة في كل من فلسطين ولبنان!!!
إن ما يجري في سوريا هو مخطط لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتحديداً بعد وقف إطلاق النار في لبنان وبعد فشل الأهداف التي وضعها نتنياهو. حيث بدأ العمل من جديد على استهداف سوريا ومن خلال خلق فوضى عارمة، وعلينا جميعا ان نعي ان “اسرائيل”
تقوم ومن خلال وكلائها واقول وكلائها، حتى لا ننسى كيف تم تدرب وتسليح عدد من هذه الفصائل التي تقاتل “لتحرير سوريا” كما تدعي، من قبل الكيان الصهيوني!!
اذاً ومن باب الغباء السياسي، ان يقول البعض بأن هذه الجماعات ليس لها علاقة “بإسرائيل” محاولاً اضفاء عليها صفة وكأنها قوي تحرير.
كما أن على الذين جمدوا عقولهم ان يتساءلوا ماذا يعني استيلاء هذه المجموعات على نظام الحكم في سوريا!!؟؟ ألا يشكل ذلك خطورة على دول الجوار والخليج ومصر بل وعموم المنطقة.
ان هذا الفعل الذي تمارسه هذه المجموعات يدل وبشكل واضح بأن المطلوب توظيف موقع سوريا ومكانتها ليكون في خدمة مخططات المشروع الصهيوامريكي الساعي لتفكيك المنطقة وتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي سيكون فيه الكيان الصهيوني المركز مقابل دول مفككة ضعيفة تدور في فلكه.
ان هذه المشاريع الاستعمارية الساعية لإدخال سوريا والوطن العربي في مزيد من الصراعات الداخلية، وهو ما عشناه فيما تم تسميته “بالربيع العربي” والذي سقط في سوريا بفضل صمودها، وما يجري حاليا هو تكرار لذات المخطط، والمقدمة فيه اغراق سوريا في الفوضى الخلاقة.
أيها المبتهجين لما يجري في سوريا، تأكدوا بان سوريا تدفع ثمن خيارات سياسية، وفي المقدمة منها دعمها لقوى المقاومة، ورفضها بان تكون دمشق عاصمة عربية جديدة تقيم علاقات مع الكيان اللقيط، وهو ما سيتم تحقيقه في حال وصول هؤلاء المرتزقة للحكم في سوريا.
اخيراً، نقول ان المنطقة تعيش لحظة سياسية، هي الاكثر دقة في تاريخها، وان الصراع الدائر حاليا هو صراع وجود. وعلينا ألا نقبل بأن تنحرف بوصلة الصراع فالعدو هو الكيان الصهيوني الارهابي وراعيه الامريكي.
ولا يحق لاحد كائن من كان ان يعمل على القفز لإجهاض حالة الصمود والبطولة لقوى المقاومة وانجازاتها في التصدي للعدو الصهيوني التوسعي وتعميق أزمته البنيوية والتي لا يريد أن يراها البعض.
بقلم عماد المالح، عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية،ومنسق حملة صوت العمال/ الاردن.