أظهرت الأحداث المتتالية خلال الأيام الأخيرة منذ أن خطب نتنياهو بالكونغرس تسارعاً دراماتيكيّاً بالانتقال في الحرب بالشرق الأوسط من حال إلى حال، و شهدت شعوب المنطقة و العالم و المتابعين لهذه الحرب مفاجآت و تحولات و أحداث جديدة غير متوقعة، هي بالحقيقة في التحليل الجيوسياسي و الاستراتيجي علاماتٌ و مؤشراتٌ على أنَّ الصراع بينه و بين الحاجة لحسمه تخوُّفٌ من اندلاع حرب إقليمية كبرى.
و منذ أن خطب نتنياهو في الكونغرس و استُقبِلَ مجرم الحرب بالتصفيق، و قبلها لقاؤه بمعظم المنظمات اليهودية، وصولاً لمحتوى التصريحات التي أطلقها خلال كلمته، لم يستطع نتنياهو أن يخفي الأزمة الوجودية التي تهدد كيانه المسخ باعترافه المبطن لتأثير يوم انطلاق الطوفان ، عندما قال بأنه لن يسمح بتكرار هجمات السابع من أكتوبر مهما تعرَّض للضغط، معنى ذلك أنه توجد خشية في المؤسسة الأمنية من احتمالية تكرار هذه الهجمات ، وهي إن حصلت لن تقتصر على مستوطنات الوسط والغلاف، ومن حيث لا يدري اعترف بهزائمه عندما مرر أحد أكاذيبه _ وهو يتقمص ثوب الضحية_ بأن حماس تريد موت المزيد من المدنيين وتشويه سمعة “إسرائيل” للضغط عليها إنهاء الحرب قبل تحقيق النصر ، على الرغم من اعتراف مفاوضين بأن نتنياهو نفسه ينسف أيَّ محاولة إحياء هدنة أو صفقة تعيد الأسرى وهناك شواهد على اجتماعاته بزعماء الحركات الصهيونية الدينية المتمثلة في بن غفير وسيموترش والضغط الذي تمارسه هذه الحركات في الائتلاف وتهديدهم بتفجير الحكومة.
وبالمتابعة واستناداً لما تقدم يظهر بشكل واضح بأن عقدة نتنياهو هي إيران ، وكان واضحًا من خلال بعض تصريحاته بأنَّه يتعين على الولايات المتحدة أن تعلن مشاركتها لهذه الحرب محاولاً جر واشنطن للمرحلة الثانية من دعم “إسرائيل” في المنطقة باعترافه المبطّن من خلال هذه الدعوة وعند قوله بأن أمن إسرائيل من أمن الولايات المتحدة ،وبأنها ستكون الهدف التالي إذا تم تقييد “إسرائيل” وهو ما يؤكد عدم قدرة “إسرائيل” مواجهتها لوحدها خطرَ سبع جبهات، وبالتالي رغم هذه العنتريات والأكاذيب الفاضحه والنفاق الأمريكي يمكننا القول بأن نتنياهو كشف النقاب في أكثر من تصريح عن التصدعات التي تعاني منها الجبهه الداخلية في أمريكا وأيضاً في “إسرائيل” .
وبالتزامن مع كلمة وزيارة نتنياهو لواشنطن وما حملت من عناوين كان لافتاً على المستوى الدولي زيارة الرئيس الاسد إلى موسكو ولقاؤه بالرئيس بوتين في الكرملين وهي الزياره الثانية بعد زيارته الاخيرة في آذار من العام الماضي ، والذي قال خلالها الرئيس الاسد بأن التغيرات الدولية التي تحصل تتطلب منا اللقاء وهو ما وصفناه حينها في زيارة فريدة من نوعها تصريحاً لم يكن عابراً ، بمعنى أن هناك تغيرًا في الأحداث يستلزم تحولاً استراتيجياً في المنطقة وكيان العدو غير مستثنى من هذا التحول، وهو ما أكد صحة قراءتنا انطلاق طوفان الاقصى وعمليات الإسناد لفلسطين بعد نصف عام من الزيارة، و أما بالعودة للزياره المفاجئة منذ أيام اتفق الرئيس الأسد وبوتين على أنّ الوضع يزداد توتراً في الشرق الأوسط، وفي قراءتنا الأولية لهذه التصريحات نقول أنها حملت عناوين كبرى ستطرأ في المراحل المقبلة من الصراع ،تحمل في بواطنها إعلان حرب بين عناوينها وعناوين زيارة نتنياهو إلى واشنطن وفيها مؤشرات كبرى ودلائل حقيقية للمستوى الذي وصل إليه الصراع في المنطقة واحتدامه الشديد.
يمكن اختصار زيارة نتنياهو بأنَّ هناك محاولات للخروج من المأزق الذي وضع الإسرائيلي نفسه به منذ بدء العدوان على غزة، وهو ما تحاول واشنطن السعي نحوه من دون أن يكون هناك أيّة قيمة جيوسياسية لنتائج ما أفرزه الطوفان ، وهنا نقصد بأن هذه المحاولات يمكن اختصارها بالتالي:
تحسين صورة الكيان الصهيوني و رسم صورة نصر تتمثل بكذبةِ أنّ ردعه لا يزال على حاله وقويٌّ ويستطيع أن ينتزع من محور المقاومة التنازلات وهذا ما يفسر تعميق وتعقيد نتنياهو لمطالبه بمفاوضات روما التي انتهت بالفشل والتي أجراها وأشرف عليها وليم بيرنز مدير المخابرات الأمريكية المركزية، إضافة لتهديداته بالرد على حادثة مجدل شمس التي تبين بأنها حادثه مدبرة بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، كل ذلك كان من أجل الضغط على المقاومة ، و باءت هذه المحاولات بالفشل مما دفع “إسرائيل” بالتوجه لمعاودة سياسة الاغتيالات بإشراف وضوء أخضر أمريكي من أجل إنهاء النزاع والتوصل لصفقة تلبِّي مصالح الكيان الصهيوني ومن خلفه، و هو ما لم يحصل.
بالمحصلة إنَّ “إسرائيل” أخطأت التقدير ولا شك بأن المقاومة لن تستسلم في معركة وصفها سماحة السيد حسن نصر الله بأنها ستغير وجه المنطقة ، وبالتالي فإن الرد القادم من محور المقاومة بمعزلٍ عن تشخيصه أو عن كيفيته إلا أنه سيغير المعادلات وسيُضفي على نتائج الطوفان ما يُفشل مساعي “إسرائيل” ومن خلفها عن حجب الأهداف التي يتطلع إليها محور المقاومة، أو بالخروج من هذه الحرب بصورة نصر مهما كان حجمها.
محمود وسوف _لبنان