“يمكنني  اليوم أن أؤكد أن لديَّ أسبابًا معقولة وواقعية للاعتقاد، بناءً على الأدلة التي جمعها مكتبي وتثبت منها، بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوهاف غالانت يتحملا المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب المرتكبة في أراضي دولة فلسطين اعتبارًا من 8 أكتوبر 2023 على الأقل، وهي تشمل جرائم تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب التي تتسبب عمدًا في معاناة شديدة وإلحاق أضرارا جسيمة بالجسم والصحة والمعاملة القاسية والقتل والقتل العمد، والارتكاب المتعمد للاعتداءات على السكان المدنيين فضلا عن الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة و/أو القتل والاضطهاد والجرائم المتمثلة في ارتكاب عديد الأعمال الغير إنسانية.
نؤكد أن هذه الجرائم قد أرْتُكِبت في سياق عمليات عسكرية مستمرة وكجزء من هجوم واسع النطاق وممنهج ضد السكان المدنيين في غزة وفقًا لسياسة الدولة وتنفيذا لها، وللأسف تستمر جرائم الحرب هذه حتى يومنا هذا.
ويؤكد مكتبي أن هؤلاء الأشخاص، بفضل خطة مشتركة، تمكنوا من حرمان السكان المدنيين في غزة بشكل منهجي من الاحتياجات الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة، وقد توصلنا إلى هذا الاستنتاج بناءًا على لقاءات مع الأحياء الناجين وشهاداتهم ومن العديد من الشهود وخبراء صور الأقمار الصناعية وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك الشخصين موضوع هذا الطلب. إضافة الى إعتمادنا على المئات من مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية والتسجيلات الصوتية الموثقة، وقد التقطها وشاركها الضحايا والشهود العيان الحاضرون على عين المكان.


أدى هذا الحرمان الممنهج، إلى قرار بفرض حصار شامل على غزة وإغلاق المعابر الحدودية الثلاثة: رفح وكرم أبو سالم وآرز، وبشكل كامل لفترات طويلة، زيادة على التقييد التعسفي لنقل المواد الأساسية بما في ذلك الغذاء والدواء عبر المعابر الحدودية بعد فتحها. الحصار الشامل، شمل أيضًا قطع أنابيب المياه العابرة للحدود، من إسرائيل إلى غزة، والذي يعد المصدر الرئيسي لمياه الشرب لسكان غزة، لفترات تمتد من 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ورافق ذل قطع أو تعطيل إمدادات الكهرباء عن غزة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى اليوم. وقد تزامن هذا السلوك مع الهجمات الموازية التي أدت إلى مقتل المدنيين، بما في ذلك الأشخاص الذين كانوا وسط طوابير الحصول على الغذاء. وعرقلة الوصول للغذاء وعرقلة تسليم المساعدات من قبل المنظمات الإنسانية، والهجوم على عمال الإغاثة، مما أجبر الكثيرين من العاملين في هذه المنظمات الإنسانية إلى وقف عمليات الإغاثة، أو الحد من جهود الإنقاذ في غزة.
إن التأثير المأساوي لاستخدام المجاعة، كوسيلة للحرب ضد السكان المدنيين في غزة، وصل الى مستوى حاد وواضح ومرئي على نطاق واسع. وأكد العديد من الشهود والضحايا، بما في ذلك الأطباء المحليين والأجانب، أن المجاعة تسببت ولا تزال تتسبب في الوفاة وسوء التغذية وجفاف الجسم والمعاناة القاسية للسكان، وأن المجاعة استفحلت في مناطق واسعة من غزة، وهي وشيكة الاستفحال في مناطق أخرى.
مكتبي يتهم نتنياهو وغالانت بأنهما الجناة الرئيسيان في ارتكاب هذه الجرائم (المفترضة). (إسرائيل) مثل جميع الدول، لديها الحق في الدفاع عن مواطنيها، وكل الحق في ضمان عودة الرهائن الذين تم احتجازهم بطريقة خارجة عن القانون وقاسية…، ولكن كل هذا لا يعفيها من التزاماتها بالامتثال للقانون الإنساني والدولي، ولا يعطيها الذريعة للتسبب عمداً في الموت والتجويع والحرمان والمعاناة للسكان المدنيين، بما في ذلك العديد من النساء والأطفال، فهي وسائل إجرامية لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية، وهذا ما نؤكده.
وكما أكدت مرات ومنذ العام المنقضي في مصر و(إسرائيل) وفلسطين، أكرر اليوم نفس ما صرحت به: إن الذين يعتدون على القانون لا ينبغي أن يتذمرون فيما بعد حين يتخذ مكتبي إجراءات مبنية على أدلة دامغة ضدهم، وها أن اليوم قد حل. ونحن اليوم نسلط الضوء بشكل أوضح وجازم بقدر الإمكان، على أن القانون الدولي وقوانين النزاع المسلح ينطبق على الجميع، ينطبق على الجنود المشاة كما على القادة والزعماء حتى المدنيين منهم. لا يمكن لأحد أن يُجرم دون نيل عقابه، ولا شيء على وجه الأرض يبرر حرمان البشر عمداً، بما في ذلك النساء والأطفال، والرضع والمسنين والشباب، من الاحتياجات الأساسية وضروريات الحياة، لا شيء على وجه الأرض يمكن أن يبرر اتخاذ المدنيين رهائن، أو استهدافهم وقتلهم، والقضاة المستقلون في هذه المحكمة الجنائية الدولية، وحدهم لهم القدرة والأحقية لتقرير وتحديد ذلك.

إن قضاة المحكمة الجنائية الدولية، هم المُحَكَّمُون الوحيدون فيما إذا كانت القواعد والمعايير اللازمة لإصدار أوامر الاعتقال قد تم احترامها، وعليه فيجب منحهم المساحة الضرورية للقيام بعملهم، وفحص الأدلة التي قدمناها بموضوعية وعدل. وإذا وافق القضاة على طلباتي وأصدروا الأوامر المطلوبة، فسأعمل بشكل وثيق مع كاتب المحكمة، للقبض على الأشخاص الحاملين للأسماء المذكورة وأتصل بحكومات جميع الدول وأعتمد عليها، لا سيما الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي، للتعامل بكل جدية مع هذا الطلب.
إن الأحكام القضائية التي سيتم اتخاذها هي بنفس الجدية التي أثبتها في مواقفَ أخرى، وأنا أيضا على استعداد للعمل مع الدول غير الأعضاء في نظام روما الأساسي. إن سَعْيَنا المشترك لتحقيق العدالة والمساءلة والانصاف يجعل من الضروري وفي هذا الوقت بالذات، أن يواصل مكتبي وجميع مكاتب محكمة العدل الدولية، القيام بعمله باستقلالية وحياد كاملين، كما أنني أُصِرُّ على الكف الفوري عن جميع محاولات العرقلة والترهيب ومحاولات التأثير العبثي على مسؤولي هذه المحكمة. فمكتبي لن يتردد في التصرف وفقًا لأحكام المادة 70 من نظام روما الأساسي، وإذا استمر هذا السلوك واستمر، فإننا سنقدم أيضًا طلبات أخرى لإصدار مذكرات اعتقال أخرى بعد تحليل مستقل وموضوعي وحين يتم التيقن بما لا يُترك للشك أن الأشخاص المدانون ارتكبوا واقعيا ما نسب لهم”.

ترجمة:هند يحيىتونس