لا يخفى على أي قارئ أن ما يسمى بدولة “إسرائيل” مجرد مشروع غربي في الوطن العربي والإسلامي أتى كملحق رئيسي ليواكب ترسيم المنطقة لتقسيمها إلى كيانات أو دول تحت مسميات ملكية و جمهورية و إمارات موزعة، لتحويل المنطقة لفسيفساء متلاصقة جغرافيا متنازعة على مصالحها تسعى كل منها لتكون جوهرة بين شظايا فخارية لتنادي كل منها بأولوية ذاتها مدعية حسن الجوار بينما تغلق حدودها حولها تحت ذريعة الأمن القومي و صنعت كل منها لقبا وإسما وتصنيفا ماليا من خلال عملتها و ثرواتها و أنتجت كل منها جواز سفر و جنسية لتجعل من سكانها الذين هم تنوع من الوطن الأكبر وكأنهم جنس منفصل عن باقي الالأجزاء المجاورة (ممالك أو جمهوريات أو إمارات) حتى وإن كان الشخص من قبيلة ممتدة بإمتداد أوسع من حدود الدولة أو مجموعة دول، لتصبح القبيلة مجرد إسم أما الجنسية التي يحملها الشخص فهي شهادة بتميزه حتى عن باقي أبناء قبيلته في الدول المجاورة.
وبعد أن رسمت المنطقة و تم إشغال كل دولة بما لها و ما على أبنائها من إثبات وطنيتهم فقد زرع الغرب مناطق كمواضع خلاف بين كل دولة وأخرى بعد دراسة حثيثة لجعلها نقاط ضعف وخلاف لإستغلالها عند اللزوم، وحتى يستطيع الغرب فعل ذلك تطلب منه الحضور في المنطقة لإدارة هذا المشهد، وجد الغرب أن الإنشغال بمنطقة بمساحة الوطن العربي ستحول دون قدرتهم على التفرغ لبناء بلادهم خصوصا بعد أن فشل مشروع الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا في توحيد أوروبا من خلال رابط النسب بين العائلات الملكية وبعد أن قامت الحرب الأوروبية (الحرب العالمية الأولى) وبعد انتشار اليمين القومي في أوروبا والذي يسعى لثبيت العرق في المواطنة، فتبين أن اليهود في أوروبا لا ينتمون لأي عرق من هذه الأعراق، بل وأنهم منغلقون على أنفسهم و على تجارتهم وأنهم باتوا خطرا لأنهم يسيطرون على الإقتصاد، هنا وجد الغرب ضالته من خلال مشاركة اليهود أو بالأحرى توظيفهم لمشروع يخدم عدة مصالح، الأولى من خلال زرع اليهود في قلب الوطن العربي ليكونو بمثابة الوصي عليه والفاصل بين شرقه وغربه وبمثابة قاعدة عسكرية متقدمة في هذا الوطن، وبالمقابل يكون الغرب قد تخلص من هذه الفئة الشاذة والمنغلقة والمتحكمة بالإقتصاد تحت شعار الرواية التوراتية وقيام الدولة الموعودة من جديد.
تم زرع الكيان وبناءه وإمداده بكل عوامل الدولة الحديثة و تم إنشاء جيش من كل المكون الشعبي لهذا الكيان من يهود الشتات في أصقاع أوروبا مع تزويده بكل ما يحتاجه من سلاح نوعي وتدريب عالي على القتال، ليعلنوا قيام كيانهم تحت ما يسمى بدولة إسرائيل في الرابع عشر من أيار مايو من العام ثمانية وأربعون وتسعماءة وألف، وقام هذا الكيان بما توجب عليه كمشروع غربي بكل ما حلم به الرجل الأبيض.
شكك في القومية العربية وجعلها حلم لا يمكن تحقيقه من خلال زرعه للفتن و من خلال حروبه على مكونات الوطن العربي بالقوة العسكرية المدعومة بكل أنواع الدعم بل وبالمشاركة مباشرة بالقتال كحرب عام ستة وخسون والتي تعرف بالعدوان الثلاثي على مصر حيث شارك الإنجليز والفرنسيين جيش الكيان في العدوان على مصر، ولا ننسى باقي المعارك والحروب من السابع والستون إلى عام ثلاثة وسبعون وصولاً لإجتياح بيروت عام إثنان وثمانون.
هنا بدأ الكيان والغرب بإعادة دراسة المشروع للمرة الأولى حين شعروا بالإحتكاك الشعبي العربي الفعلي من مقاومة بصورة تختلف عن مواجهة الجيوش التقليدية، ولكن التكلفة في مواجهة المقاومة الشعبية والفصائل ذات تكلفة أعلى وذات معارك ممتدة زمانيا ولا تتوقف مهما تعرضت لأنواع البطش من هذا الكيان ليتحول البطش إلى حافز ثأري عند الفصائل المقاومة، حاول الكيان جاهدا حتى مطلع الألفية الثانية وجد نفسه تحت خطر المقاومة ليفر ويعود أدراجه ويتم تحرير لبنان بقوة مقاومته و بأس شعبه.
و من ذلك اليوم ضل يسعى لإعادة الدخول إلى لبنان ولكن المقاومة كانت سداً منيعا أمامه.
وفي نفس الوقت كانت المقاومة في الأراضي المحتلة والضفة وغزة تعمل بإجتهاد حتى وجد الكيان نفسه ينسحب من غزة مهزوما ثم المحاولة للقضاء على المقاومة بغزة والضفة بكل الطرق ولكن دون فائدة، فصار يشن حروبه على غزة كل عامين أو ثلاثة حتى يمنع بناء أي قوة لدى المقاومة وحتى يكسر عزائم الشعب والمقاومة، لكن دون جدوى، حتى جاءه ما لم يكن يتوقعه بين ليلة وضحاها أتاه ما يزيد عن ألف ضيف كانوا ثقال عليه لحد الهلع وفُجِعَ قلبه بخطاب الضيف محمد الذي زلزل أرضه ونزع أمنه وطاف بغربه نحو شرقه وشماله نحو جنوبه ذاهلاً إياه و مهدداً بقاءه ومفشلاً مشروعه و مشروع من زرعه ليجعل كلفة بقائه عالية على من أوجده، فانقلب الغرب على نفسه و رأينا اليمين الغربي يعود ليعيد النظر في جدوى المشروع لينظر إذا كان ما يزال يستحق الدعم أم أن دعمه بات بمثابة الخسارة المركبة، شعر الكيان بأنه قد بات أمام خسارة لا يمكن قلبها وأمام حالة تخلي و تضحية به وبمشروعه، فدفع بكل وسائله ومن خلال كل قنواته مستجديا لفرصة أو بإعادة جدولة للدين أمام الرجل الأبيض ذو النزعة المادية، فذهب نتنياهو وخطب بالكونغريس وعقد نقاشات واجتماعات مطولة فتوصل لصفقة إنعاش المشروع أي الكيان.
فبدأ قبل أن يعود واستخدم كل الجهود لإعادة زمام الأمور ليده من خلال مجزرة مجدل شمس العربية ومن خلال إستهدافه للفصائل في محور المقاومة بإغتيال قياداته لتوسعة المعركة بناء على وعود قدمت من الغرب بالوقوف بجانبه لإنقاذ المشروع بعد تلك الإجتماعات، ولكن هيهات، سيندم وسيندمون.
سيلقى الكيان ما يجعل إستحالة استمراره واقعا يراه دون قدرته على الدفاع عن نفسه و دون قدرة الغرب على فعل شيء أمام بركان المحور الحارق لكل أوراقهم فينقلب السحر على الساحر ولا عزاء لهم ولا لكيانهم الشاذ.
صلاح الدين حلس_ 🇰🇼 الكويت