-جاءتْ إطلالَةُ الرئيسِ بشّار الأسد، في مؤتمرِ القمّةِ العربيّةِ – الإسلاميّةِ في الريّاضِ، في لحظةٍ تاريخيّةٍ هامّةٍ تمرُّ بها المنطقةُ، وفي لحظةٍ سياسيّةٍ طالما تمَّ التركيزُ خلالها على دورِ سوريةَ وموقفِها وموقعِها، في جولةِ الصّراعِ الحاليّةِ، إذ أنَّ كثيرينَ كانوا يتكسّبونَ على بعضِ ما يتقيَّؤونَهُ من تهيؤاتٍ رخيصةٍ، حولَ هذا الدّورِ والموقفِ والموقعِ!!..
-لقد تجاوزَ الرئيسُ الأسدُ في كلمتِهِ كلَّ المنهجياتِ التي رسّخها النّظامُ العربيُّ الرسميُّ، وكلَّ أنماطِ التفكيرِ التي حكمتْ آلياتِ عملِ هذا النّظام، حينَ أمسكَ بأيدي جميعِ القادةِ والزعماءِ، العربِ والمسلمينَ، كي يضعهم أمامَ المنهجِ الدقيقِ والآلياتِ المنطقيّةِ، للدورِ الحقيقيِّ الذي يجبُ أن تقومَ به هذهِ الأنظمةُ، وصولاً للدفاعِ عن فلسطين ولبنان..
-لقد حرّر الرئيسُ الأسدُ هذهِ اللحظةَ التاريخيّةَ السياسيّةَ، والتي يختصرُها البعضُ بعدوانِ كيانِ الاحتلالِ على “غزّة”، في حين أنَّ الرئيسَ الأسد، يراها قضيةَ احتلالِ فلسطين والجولانِ، وقضيةَ عدوانٍ واحتلالٍ كبيرينَ، عمرهما عشراتِ السّنوات، والردّ عليهما لا يكونُ ردّاً على عدوانِ “غزّة” فقط، علماً أنّهُ مطلوبٌ منّا أن نفعلَ ذلك الآن، لكنّه يجبُ أن يكونَ، في صلبهِ وجوهرهِ، ردّاً حقيقيّاً موضوعيّاً، على قضيةِ الاحتلالِ والعدوانِ الرئيسيّين..
-كما حرّرَ الرئيسُ الأسدُ، بعضَ المفاهيمِ من سياقاتِها التقليديّة، والتي لا ترتقي لمستوى المسؤوليةِ، حيث تبقى في إطار الأقولِ بعيدةً عن إطار الأفعالِ الحقيقيّةِ والمفيدةِ، حينَ تعرّضَ لبعضِ العناوينِ التي يركّزَ عليها بعضُ القادةِ العربِ والمسلمينَ، في مواقفهم وكلماتهم، مثلُ الدّعوة لـ “حلّ الدولتين”، وبعض القراراتِ الدوليّة، والإداناتِ المتكرّرة، والتركيز على مبادراتِ السّلامِ التي كان يركّزُ ويتمسّكُ بها النّظامُ العربيُّ الرسميُّ!!..
-اعتبرَ الرئيسُ الأسدُ أنَّ كلَّ هذا التركيزِ على هذهِ العناوين، لا يمكنُ إدراجُهُ في هذهِ المرحلةِ، إلا في إطارِ الأقوالِ، في حين أنَّ المرحلةَ تتطلبُ أفعالاً من قبلِ الحكوماتِ العربيّة والإسلاميّةِ، والأفعالُ التي ركًزَ عليها الرئيسُ الأسد، هيَ أفعالٌ مدعومةٌ بأهدافٍ وأدواتٍ حقيقيّةٍ، تدعمُ مقاومةَ الشّعبِ الفلسطينيِّ، وهذا الدّعم الذي يراهُ الرئيسُ الأسدُ، ليسَ محصوراً بمستوى أو بشكلٍ واحدٍ، بمقدارِ ما هو محصور بهدفٍ واحدٍ، وهوَ هزيمة الأيديولوجيا النازية التي يعتنقها هذا الكيان، ليسَ ممثلاً بحكوماتهِ فقط، وإنّما ممثلٌ بمجتمعهِ الذي يُختصرُ بقطعانٍ من المستوطنين، لا يؤمنونَ إلا بعقيدةِ القتلِ والارهابِ والتّوحُّش!!..
-يتجاوزُ الرئيسُ الأسدُ التّهمةَ التي يوجّهها البعضُ لسوريّة – باعتبارها جزءاً من محورِ المقاومة، أو من دعمِها لأطرافِ المقاومةِ – وصولاً إلى دعوةِ جميعِ الحكوماتِ العربيّةِ والإسلاميّةِ، كي تمارسَ هذا النمطَ من المقاومةِ، اقتصاديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً، اقتصاديّاً من خلالِ دعوةِ الدّول العربيّةِ والإسلاميّةِ لقطعِ كاملِ العلاقاتِ الاقتصاديّةِ مع هذا الكيانِ، وسياسيّاً من خلالِ قطعِ كاملِ علاقاتِها السياسيّةِ معه أيضاً، وعسكريّاً من خلالِ إيمانِهِ الكاملِ بالمقاومةِ، باعتبارها الوسيلةَ المشروعةَ الوحيدةَ التي يفهمها هذا الكيان، وصولاً إلى دعوةِ الدولِ العربيّةِ والإسلاميّةِ، كي تدعمَ هذهِ المقاومةَ عسكريّاً أيضاً!!..
-يؤكّدُ كلَّ ذلك، أنّ الرئيسَ الأسدَ لا يرى بهذا الغربِ الذي يطالبُ القادةُ العربُ والمسلمونَ باللجوءِ إليه، سعياً لتطبيقِ القراراتِ الدّوليّةِ، أو سعياً لسلامٍ يحفظُ حقَّ الشّعبِ الفلسطينيِّ، وصولاً لحلِّ الدّولتينِ، إلّا غرباً استعماريّاً قائماً على نهبِ الشعوبِ وقتلها واستعمارِها، وبالتالي فإنَّ التعويلَ عليه، لن يضمنَ لنا حقوقَ الشّعبِ الفلسطينيَّ، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ!!..
-بهذا لا يكون الرئيسُ الأسدُ قد تخلّى عن المقاومةِ، أو تخلّى عن فكرةِ المقاومةِ، باعتبارها خَياراً لمواجهةِ كيانِ الاحتلالِ، وإنّما ذهبَ أبعدَ من ذلكَ بكثيرٍ، عندما اعتبرَ المقاومةَ سبيلاً وحيداً للخلاصِ من هذا الكيانِ، وهو بذلكَ لم يكتفِ بأنْ يبقى ضمنَ حدودِ محورِ المقاومةِ التقليديِّ، بمقدارِ ما فتحَ البابَ على مصراعيهِ، كي تنهجَ جميعُ الدولِ العربيّةِ والإسلاميّةِ، هذا المنهجَ الوحيدَ الذي يعيدُ حقوقَ الشّعبِ الفلسطينيِّ، وينهيَ فصلاً طويلاً من الاحتلالِ والهيمنةِ والقتلِ والنّهب، على كثيرٍ من شعوبِ المنطقة!!..
-وأكثرَ من ذلك أيضاً، فإنَّ الرئيسَ الأسد، يرى بأنَّ الدولَ العربيّةَ والإسلاميّةَ، إذا لم تأخذ بمنهجِ الأفعالِ لا الأقوال، بمعنى أنّها إذا بقيتْ تتحدّثُ عن محدّداتِ تقليديّةٍ – مثلَ القراراتِ الدّوليّةِ، وحلّ الدّولتينِ، والتركيزُ على خَيارِ السلامِ، في ردّها على هذا الاحتلالِ، القاتلِ والمجرمِ وغيرِ الإنسانيِّ – وهي محدّداتٌ قانونيّةٌ وأخلاقيّةٌ وإنسانيّةٌ، لا تناسبُ الواقعَ والموقعَ واللحظةَ والحالةَ التي ينطلقُ منها هذا الكيان، ولم تذهبْ هذهِ الدّولُ إلى الأفعالِ الحقيقيّةِ التي تناسبُ هذا الواقعَ والموقعَ واللحظةَ والحالةَ التي ينطلقُ منها هذا الكيانُ، في عدوانِهِ على فلسطينَ ولبنان، بمعنى لم تأخذ هذه الدّولُ، بالمقاومةِ سبيلاً وحيداً للردِّ عليهِ، فإنّها سوف تكونُ جميعُها شريكةً في الجريمةِ التي يمارسُها هذا الاحتلالِ، بحقِّ شعوبِ أبناءِ المنطقةِ!!..
عضو المكتب السياسي لحزب الوحدويين الاشتراكيين
خالد العبود