تأبينُ العميدِ الأمين باسم منتدى شباب سيف القدس.
“لأني لستُ كالكبريت، أضيء لمرة وأموت،
ولدتُ لأضيءَ من مهدي إلى لحدي، ومن سلَفي الى نسلي،
طويلٌ كالمدى نَفَسي، وأتقن حرفةَ النمل على مهلي،
لأنَّ وظيفة التاريخ أن يمشي كما نُملي”..
الشاعر الفلسطيني توفيق زياد
مَن مثلكَ يليق به الشعر والضوء أيُّها الأمين، مصباحاً في عتمة الشكِّ كنت، ودليلَ الصادق في وحشة الطريقِ، حملتَ الوطن بين الأضلعِ صندوقَ أماناتٍ ويقين، وجئتَ من جنوب البلاد بَصَراً وبرهاناً على الحق وللحق كفيلٌ..
تعرف تضاريسَ هذه الأرض على كفَّي يديك.. وتَبْرع في قراءة معانيها سراً وجهراً، ونحن نصغي ونتعلم، ومن كلماتك ننسج خيوطاً للبيان والبرهان ونمشي قدماً إلى الأمام، وظهرُنا مسنودٌ بصوابك وتصويبك، الأمينُ على التفسير، الأمينُ على الشرح والتحليل، والعارفُ ذو الحكمة والصبر الجميل..
روحك الجنوبية تفتَّحت على الآفاق القومية العربيةِ وقدسيةِ الهويَّة، دافعتَ عن لبنان المقاومة بكلِّ أوتيتَ من نبضٍ ، وعن سوريا قلب العروبةِ النابضِ بكل ما أوتيت من طلاقةٍ وفصاحةٍ وحججٍ ، وعن فلسطين بعشق الوالهِ وإيمان الرسل، فحملتَ الرسالةَ مناضلاً لسنين، وباقتدار البشير جابهت حملاتِ التضليل وزيف قوى الاستعمار والطغيان المستكبرةِ ومَن جرفتهم انحرافاتُ العولمة وولائمُ الدمِ العربيِّ المستباحِ من بني جلدتِنا، وواجهتَهم وقارعتَهم ونازلتَهم وأسقطتَهم منتصراً دونَ سلاحٍ غير أمانَتك ورجاحة عقلك وشجاعة صوتِك..
التزمْتَ واعياً بقيمة الكلمة في معركةِ التحرُّر الوطنيِّ و كنتَ دائماً المخلصَ للمقاومة، حتى صرتَ صوتَها المعرفيَّ والعقلانيَّ والتنظيريَّ والفكريَّ، لا تهجعُ ولا تهدأُ ومع كل حدث يفيضُ صوتُكَ و قلمك بتحليلاتك وتفسيراتِك التي لطالما أوجعَتْ أعداءنا و أعداءك ، وتقطعُ الطريق على المفنّدين والمشكّكين والمضلّلين الأفّاقين..
كنتَ أيُّها الأمين، تجمعُ بين العقل العسكري والعقل الوطني، تركِّزُ على الأولوية الوطنية وفلسفة المقاومة، وتوفِّقُ بين التحليل العسكري والإسنادِ القانونيِّ، بما تلقّيتَ من تكوينٍ واكتسبتَ من ثقافةٍ واسعةٍ وتحصيلٍ لأدواتِ الفهم والإداركِ والاطّلاع الرَّحب..
لم يَحِدْ تركيزك يوماً عن البوصلة الفلسطينية، وبقدرِ ما كان الجسدُ العربيُّ يَدمى بقدرِ ما كان هتافُك يعلو ويرتفع ليُسمعَ مَن به صمم، ويمعنَ في استنهاضِ النفوسِ والقوى الحيَّةِ لمعركةِ الوجودِ والكينونةِ والحقِّ المبين، وكنتَ مطمئنّاً إلى النهايةِ وواثقاً في عدالةِ التاريخِ وحتميةِ الانتصار..
هادئاً كنتَ، متوازناً في حديثك، انسيابياً في تفكيكِ الواقعِ والحالِ واستذكارِ الماضي واستحضارِ التاريخِ والمآثرِ رموزاً وأرقاماً وأسماءً وأحداثاً وكتباً ومواقفَ ومواعظَ، ونحن ننصتُ ونتعلم..
ضوءاً كاشفاً كنت، ضليعاً في استجلاءِ السبيلِ بإتقانِ الطَرَّازِ وبصدقِ المريدِ ووثوقِ المؤمن، وكنتَ الراميَ المصيبَ إلى ما بعد الآن وهنا، وها نحنُ ننهلُ منك مدرسةً وكتاباً، وشبابُنا يكتبُ عنكَ ولم يراك، ومنتدى شباب سيف القدس فتح كتبَك ونصوصَك واقتفى حزيناً بفقدك خطاكَ..
نم قريرَ العين فلك امتداد فينا وفي خلفنا.. سلام لروحك.
منتدى شباب سيف القدس