من خلال عدة مشاهد هنا وهناك، الكيان الصهيوني يرسل رسالة مفادها: نحن مستقرون وكل شيء تحت السيطرة. وتجيء هذه الرسائل بعد تصاعد ضربات المقاومة العربية في لبنان والعراق واستمرار المواجهات في غزة. أزمة خانقة يمر بها الكيان حتى قرر نتنياهو إقالة غالانت، الذي بدأ بفضح الأوراق بخصوص قضية تجنيد الحريديم، والتحقيقات بشأن السابع من أكتوبر، وبتحريض الشارع على العصيان، وبالاعتراف بأن قوة المقاومة ليست بالقوة الطبيعية. وبالفعل استجاب الشارع الصهيوني وخرج الناس إلى الشارع، ولكن لا تتضح الصورة لدينا بسبب قوة التعتيم الإعلامي بطبيعة الحال. ولكن الأحداث كلها تشير وبوضوح إلى تصاعد أزمات في العمق. مما يعني أن ملفاً جديداً لإدارة الأزمات قد تم فتحه لدى نتنياهو ومن حوله.

فأقول، إنه من غير المنطقي أن نؤمن أن الكيان يسيطر على الإعلام وأدواته، وفي ذات الوقت نعتبر أن الأحداث على شاشات الإعلام غير مترابطة ببعضها. فهناك الكثير من الأحداث التي تجري حول العالم هنا وهناك ولا يلقي لها الإعلام بالاً، وإنما يسلط الإعلام الضوء على سياقات محددة يحددها من يملك زمام الإعلام. فبصورة أخرى، قدد تتعدد المشاهد ويتعدد المحتوى على شاشات الإعلام، ولكن الرسالة قد تكون واحدة ومن ذات الجهة. فمن أين قرأنا رسالة الكيان التي توحي ظاهرياً بأن الكيان مستقر وكل شيء تحت السيطرة؟

أولاً: صرح الكيان بأنه سيستطيع أن يعيد جزءاً من مستوطني الشمال قبل نهاية العام. مع أن الإنجازات صفر. لكنها رسالة ضد رسالة غالانت الذي صرح بأن قوة الحزب قوة غير طبيعية، فيحاول نتنياهو أن يقول بأن هناك منجزات دون أن يبينها، وبالتالي فالعودة ممكنة!

ثانياً: بادعاء تقارير أمنية قام الكيان بإرسال ضباط موساد إلى هولندا (بحسب جيروسالم بوست) وذلك برأيي لافتعال الشغب، ويتضح ذلك من خلال طبيعة الهتافات المشينة التي هتف بها مشجعو فريق موكابي تل أبيب: “فلتنجح قوة الدفاع الإسرائيلية ولتسحق العرب”، “لا مدارس في غزة، لأنه لم يبق هناك أطفال”! والمراد من هذه الهتافات هو صناعة حدث، تماماً كالذي رأيناه، ليستغل نتنياهو الفرصة وليصرح الكيان بأنه سيرسل جنوداً من قوة الدفاع إلى هولندا (لكنهم عدلوا عن القرار!) وهو أمر غير منطقي قانونياً! والغاية من ذلك كله هو أن يرسلوا رسالة مناقضة لأزمة التجنيد التي أثارها غالانت، مفادها بأن لديهم ما يكفي من الجنود ليرسلوه إلى هنا وهناك حول العالم لأزمات جانبية!

ثالثاً: يصور نتنياهو نفسه وهو يعقد اجتماعاً مع الفرق الأمنية لمتابعة حدث أمستردام وكأن لديه فائضاً من الوقت والتركيز (تحضير المشهد لا يتطلب أكثر من ربع ساعة على كل حال!) ليرسل بذلك رسالة مفادها بأن جبهة لبنان وغزة تحت السيطرة ويمكن الانتباه لأمور أخرى! (مع أن الأمور الأخرى ليست من شأنه، فهناك دولة هولندية قائمة تملك سفيراً صهيونيا يتكفل بمتابعة الأمور!).

أعلم أنه لا ينطلي علينا هذا السيرك ،ولكنه ينطلي على شريحة كبيرة داخل الشارع الصهيوني الذي يتابع مباراة لفريقه. وبالرغم من كل ذلك، فإن أبناء قضيتنا في أمستردام ومن قبلها في الانتخابات الأمريكية، قد أثبتوا وجودهم الذي يجب أن يُحسب حسابه، وبأن أي بروباغندا موجهة لهم ستكون أقل من حجمهم من الآن فصاعداً.

أما المشهد في حقيقته، فهو بروباغندا موجهة للداخل الصهيوني. هو محاولة إدارة أزمة داخلية حقيقية تتعمق من خلال صمود المقاومة وقوتها التي أسفرت عن ملفاتٍ جديدة فتحها المُقال غالانت. ويستخدم نتنياهو في هذه الأزمة الأسلوب الصهيوني المعتاد: اكذب اكذب حتى يصدقوك

آدم سرطاوي-كندا