ومن لا يعرف مطلع قصيدة الشاعر الراحل محمود درويش الذي كرس شعره ذا النظم الحديث والتصوير الفلسفي للقضية العربية بريشة رسام حيناً، وبمنجل فلاح حيناً آخر، وبقلم فيلسوف وعصى حكيم وبلّورة عراف أحياناً أُخَر.

ليس من الغريب أن ننظر لهذه القصيدة على أنها أفضل من مسرحيات شكسبير، فحين تقرأها ترى المشاهد والكادر – بما فيه الأشخاص – بتفاصيل تُرسَم في مخيلتك دون ذكرها كلها، وهنا تكمن عبقرية الشاعر بأن يريك أنفةً وشموخاً بثياب مرتوقة أمام هيبة القاضي الظالم والسجان المتسلط، فما لبث أن قال “سجل برأس الصفحة الأولى” حتى رأيته يسمو وصوته يعلو فإذا بالكل – حتى القارئ – يخفض ثنايا عنقه، ثم يتابع الشاعر “أنا لا أكره الناس” فترفع حاجباً، “ولا أسطو على أحدٍ”، وتزمّ شفتيك وأنت تقرأ “ولكني إذا ما جعت آكُلُ لحم مغتصبي” فترى أصفاده قد كسرت دون أن تكسر، ولكن القاضي والسجان وكل من حولهما يلتفت إليها مسرعاً للتأكد من وجودها، “حذارِ حذارِ من جوعي ومن غضبي” فترى بأن القاضي فتح أزرار قميصه العلوية ليلتقط نفسه.

رحل الفقيد بعد أن أجبر القاضي على نزع أزراره بيديه وهو في المنصة وشاعرنا في الأصفاد. بكلماته كشف صدر صورتهم.

واليوم نذكر شاعرنا بعد أن جاء أبناؤه وغرزوا خناجرهم في صدر أعدائهم وكسروا صورتهم وهزّوا كيانهم.

نعم فالثورة فكرة تجول في عقل الثائر قبل أن يثور ويثأر، ليأخذ حقه بزنده الخشن من بين براثن متاريس المعتدي.

أبناء غزة أشعلوا ثورةً وساندتها عِزوةٌ، فأيقظت كل القبور وصاحت على كل الثغور: الآن … الآن وليس غداً، أجراس العودة فلتقرع.

صلاح الدين حلس_ 🇰🇼 الكويت