مصطلح طائفة في معجم المعاني عرِّف بالتعريف التالي: الطائفة من الشيء الجزء منه، والطائفة جماعة من الناس، وقيل أقلّها رجلان وقيل ثلاثة وغير ذلك.
بمعنى أنه لو اجتمع رجلان أو ثلاثة رجالٍ وأكثر على (مبدأ أو عنوان أو نهج أو قرار أو فكر أو معتقد…) يمكن أن نسميهم بطائفة كذا أو كذا نسبة لنهجهم أو توجههم أو اسم كبيرهم مثلاً، وهذا شائع في كل المجتمعات وكل المجالات (علمية – أدبية -عرقية – فكرية -دينية – سياسية..)، وكما أن كل الإنسان يتفرد ببصمة إصبع وبصمة صوت فهو أيضا يتفرد بطريقة تفكير ويملك ما يخصُّه من انطباعات وتصورات وانفعالات، وعادة ما تتقارب هذه الطريقة بالتفكير بين الناس بنسبة ما ، خاصةً إذا شعر الإنسان أنه مستهدفٌ أو أنه يتعرض لمحاولة تهميش أو تعدٍّ، وبالتالي يتولد بين الناس شعور بالتلاقي والتقارب بين المألوف والمشابه بشكل فطريٍّ وطبيعي فيلتقي مع من يشبهه ليقاوموا هذا التهميش أو التعدي.
لا يخفى على القارئ العربي بأنه قُسم إلى طوائف تحت مسميات كثيرة (قبلية – دينية – قُطرية – أصولية – مناطقية – عرقية…) وفي كل أزمة يتعرض لها أحد المجتمعات ترى بأن المؤزِّم يسعى لتوظيف طوائف بشكل يشغل كل طائفة بالأخرى حتى يتسنى للمؤزم السيطرة على المشهد وقيادته في الاتجاه الذي يخدمه، دون الاكتراث لما قد ينتج عن هذا الانشغال بين الطوائف، على مبدأ “فخار يكسر بعضه”.
طغت على منطقتنا الكثير من حملات التأزيم كان أكبرها وأشرسها وأكثرها ألماً الحملات التي حقنت الفرقة والتضليل بين الطوائف الدينية التي تنتمي لنفس الدين وتؤمن بنفس الإلهٰ، وهن الطائفتان الأكبر بين المسلمين (الطائفة السنية الكريمة – الطائفة الشيعية الكريمة) من خلال مشاهير على هيئة علماء دين في الطرفين لتأجيج الفوارق بين الاجتهادات العلمية بين العامة غير المختصة لتعزيز الاختلاف ومن ثم إنتاج الخلاف بين العامة، وصولاً للاقتتال وزرع الأحقاد، وبالتالي تفسُّخ المجتمع وانقسامه بين حقٍّ وباطلٍ ومؤمنٍ وكافرٍ وبريءٍ وقاتلٍ.
إذا أردنا أن نعلم من هو المؤزِّم بهذه الحالة علينا أن نبحث عن المستفيد من هذا التأزُّم، بالتأكيد المستفيد ليس أحد الطرفين بل من يملك القدرة على زرع الفتن بين الطرفين، سنجد أن المستفيد الأكبر هو كيان استعماري وظيفي لا يملك فرصة للحفاظ على بقائه إلا في ظل انقسام وتأزيم كالذي نشهده ونعايشه، إنه الكيان “الإسرائيلي”، والذي يسعى دوماً وفي كل مرة يشعر فيها بخطر الزوال أن يبثَّ سموم التفرقة هو وأعوانه بين المسلمين لإشغال الناس ببعضهم في حين ارتكابه للمجازر بين من حاول استهدافه وتعريضه لخطر الزوال.
رغم الحملة الكبيرة والأدوات الكثيرة وجدنا ولادة طائفة جديدة قوامها مزيج بين الطائفتين (الشيعية والسنية) من العقلاء والذين تميزوا بالوعي والحكمة وشكلوا عنصر تهديد حقيقي لهذا الكيان، بنيت هذه الطائفة على آلام التضحية بين أبنائها ورموزها، ولازالت تكبر وتعزز بقاءها وتنتشر وتتحول إلى وعيٍ عام وشأنٍ خاص لكل مسلمةٍ ومسلمٍ ولكل العرب.
لم يستسلم الكيان بعد ولازال يظهر كل يوم سمّاً أشد من الذي سبقه، ساعياً لبناء طائفة تناهض الأولى دفاعاً عنه وقوامها الكثير من الجهلاء والحاقدين والتابعين لمشاهير علماء الدين الزائفين من السنة والشيعة، دون أن يشعروا أنهم مدفوعون لحمايته، فنراهم يشتمونه ويتهمون أبناء الطائفة الجديدة بالعمالة و العمل لصالح الكيان.
فإذا أردت أن تعرف أهل الحق، لا تستمع لأقوالهم فقط بل انظر إلى أفعالهم، توقف عن الإصغاء للمتكلمين فالعدو يجيد الجدل وليس عنده سقوف، فقد جادلَ ربَّه سابقاً.
صلاح الدين حلس