حزب_الله يخوضُ حربًا أمنية واسعة ضد الكيان الإسرائيلي فضلًا عن الجانب الميداني التصعيدي. بداية ظهور هذا الصراع الأمني ليس منذ الحلقة الأولى للهدهد، فالجزء الأمني من المعركة كان قد بدأ في 8 أكتوبر وتواصل وتطّور إلى حدٍّ غير مسبوق. ولا بد أنكم لا زلتم تذكرونَ أولئك الذين كانوا يسخرون من عمليات الحزب الأولى في الحدود، ويقولون مجرد إنزال أعمِدة وانتهى الموضوع.

أما في الحقيقة فقد كانت الجبهة اللبنانية شديدة السخونة. ومع كثرة العوائق الأوليّة التي كانت المقاومة تعمل على تجاوزها وتجاوزتها، ومع استمرار التضحيات الجسيمة المتوالية التي قدَّمتها ولازالت تُقدِّمها بكل فخر واعتزاز، كان حزب الله في الفترةِ الأولى يُرتِب ويُهيئ الأوضاع والمناخ إلى ما بعد الفترة الأولى، بوضعِ السجّادة الحمراء لمرور مسارِ عمليات التكتيك النوعية لاحقاً.

ثم تطّور الوضع بصورة واسعة من حيث السلاح والأرض والهدف والإصابة وفعالية العمليات. حيث عمل الحزب على الترقي بنوعيةِ واستخدام السلاح والإمكانيات المتطورة، والأرض من حيث المواقع والثكنات والتجمعات والمستعمرات، والهدف من ناحية تحقيق الغاية سواءً إسنادًا أو ردًّا، كذلك أيضًا دقّة إصابة الهدف.
هذا التطّور لم يكن ليحدث بشكل واسع إلا بفضلِ الفترةِ الأولى، التي كان الدور الأمني جزءًا أساسيًا مِنها. تأتي الرشقات الصاروخية بأشكال متنوعة باستمرار على الشمال المحتل، ويأتي ما يليه ذلك وما يوسِّع دائرة العمليات؛ تطيرُ مُسيّرةُ الهدهد محُلِّقةً في سماء الأرض المُحتلّة مرّات ومرّات، وتنجز مهمتها على أكمل وجه. ورسائلها العُليا التي أصبحت تعزيزًا للردع، تعبّد الطريق لمآلات أخرى. والسبب لكل ما سبق ذكره، أن حزب الله فرضَ قواعده وزخّم عملياته باحترافٍ وامتياز، وتفوّق بالأفضلية بنقاطٍ هامّة على الإسرائيليين.
مما اضطر الإسرائيلي إلى تفعيل سياسية الاغتيال – وهذا يُشير إلى هروبه من الميدان – لأن الفشل والإخفاق أصبح حليفه في الميدان أمام ما يأتي عليه من جبهة جنوب لبنان من قصفٍ وردعٍ ووعد وتهديد ورسائل.

الإسرائيليون فاشِلون ونقاطهم المزعومة باغتيال القادة ليست نقاطًا، بل هي تزيد الوضع تطوّرًا واشتعالاً، فلا تستطيع شلّ حركة حزب الله ولا حتى إعاقته عن عملياته. والميدان أصبح يتحدّث عن حزب الله وكيف صار كابوسًا يوميًا للشمال. بالمقابل يزداد الأمر على الإسرائيلي عبئًا وضررًا وهزائمًا وانكسارًا، وهذا ما أدى لجعل حزب الله متفوّقًا استراتيجيًا في واقع الميدان أكثرَ منه.

محمود وجيه الدين-اليمن