والشباب يرفعون الماء للبيت بالدلاء، دلوًا دلوًا من الطابق الأرضي للأعلى، يقول لي أخي بعدما انقطع نفسه وهو يضع الدلو المملوء بالماء على الأرض: الحمد لله أننا لم نجعل (براميل) المياه الكبيرة فوق سقوف المنزل، لتمزقتْ من الشظايا..
تذكرتُ كيف وجدنا نحن وأهل الحي براميل المياه معطوبةً بعد عودتنا من رفح، وكيف أمضينا شهورًا نجمع الماء بالدلاء حتى استطعنا استصلاح برميل كبير. ولشدة فرحنا بهذا البرميل أسكنّاه إحدى غرف المنزل، ولم نجعله على السطوح.
يفرغ أخي الدلو في البرميل، والعرق يتصبب من وجهه، ثم ينظر في البرميل ويقول: رفعتُ عشرين دلوًا! الحمد لله، بقي عليّ أن أرفع عشرة دلاء. هانت!
ربّتُّ على كتفه وأنا أقول له: سلامة شبابك يا أخي، ليتني أستطيع أن أحمل عنك.. هي فترة قاسية، لكنها ستمضي..
تنهّد قليلا.. ابتسم.. ارتشف دمعة ماء.. تنفس قليلا.. ثم أخذ دلوين فارغين للأسفل ليكمل رحلة الماء..
وهو يهبط السلم، عادت ذاكرتي للرجل السبعيني الذي رأيته أمس في طريق عودتي للبيت، كان يحمل دلاء الماء أمام منزله، فإذ بعابر سبيلٍ يلتقف الدلو منه ويسأله : يا عم، أين الشباب ليحملوا عنك وجع الماء؟
فأجابه بحسرة: حملوا وجع الأرض واست شهدوا في الحرب يا ولدي.. لقد تركوا لي الماء ظامئًا، ويا لوجع الماء !
مريم قوش
غزة – فلسطين
٢٨. أغسطس. ٢٠٢٤م
١٠:٠٠ صباحا.