سر شراسة الكيان .. ونهايته!
مصطفى السعيد
الشراسة ليست دليلا على القوة، بل دليل على الذعر، دليل على الشعور بفقدان أدوات السيطرة الناعمة، فالقوي لا يحتاج إلى الكثير من الشراسة لإثبات قوته، بينما المذعور يشك في كل الآخرين، يفرط في إظهار القوة، يستخدم كل الأدوات مهما كانت غير أخلاقية، لا يعبأ بالقانون أو الأخلاق، يشك حتى في أقرب المقربين، ينزعج من أي متفوق في أي مجال، يراه خطرا محتملا، يتخطى ويتوسع إلى أقصى مدى، فربما يأتيه الخطر من بعيد. الكيان له إرث طويل يجعله يرتاب، وواقع متقلب لا يمكن أن يشعر فيه بالأمان. أحد أقرب المقربين له كان شاه إيران، أطيح به بسرعة، وجاء من بعده خصوم أشداء للكيان .. حتى هؤلاء الذين في خليج النفط، الذين يقدمون له فروض الطاعة والولاء لا يثق بهم، فهو يعرف أنهم يتقلبون وينقلبون حتى على آبائهم واخوتهم. أما سر الشراسة منقطعة النظير في الفترة الأخيرة فلأنه أدرك بالطبع أن حماته ومن زرعوه يبدو عليهم الوهن وقلة الحيلة، وأن معادلة القوة تنقلب، وأن أوروبا تسير في طريق الضياع، وأمريكا الترامبية تحاول إنقاذ ما يصعب إنقاذه، بالتهديد والسلاح، أمريكا الترامبية تبتز حتى حلفائها، وترى أنه الثمن لحمايتها لهم عقودا طويلة، أمريكا الترامبية لا تعترف بأي قانون دولي، تعاقب أو تهاجم ما يحقق لها أي مكسب، فهي على وشك الإفلاس، وليس لديها إلا الديون غير المسبوقة في التاريخ، ودولار يتلاشى، ومنظومة تتآكل، لهذا فالكيان في أشد لحظاته قلقا على مستقبل بلا هيمنة أمريكية، مما يدفعه إلى الإسراع بالسيطرة على محيطه، وسحق كل ما يراه تهديدا محتملا، يتجسس على الجميع، حتى في أمريكا وأوروبا، ووسع دائرته لتتمدد من الصومال إلى وسط آسيا، وحتى أمريكا الجنوبية، ويسيطر على جنوب سوريا، ويطمح للمزيد من التمدد، لكن هذا السلوك المذعور ذاته هو ما سيقوده نحو الهاوية بوتيرة أسرع، تخلى عن الحدود الآمنة، التي يمكنه الدفاع عنها بعدد سكانه المحدود، وبإنفاق يمكنه تحمله، لكن التوسع والمزيد منه، سيجعله مثقلا لا فقط بالإنفاق، وإنما باتساع العداوات الناتجة عن توسعه، وعندما سيدخل في حروب ونزاعات كثيرة لن يجد من يدافعون عنه، لأنهم يمرون بأزماتهم وحروبهم الخاصة المهددة لوجودهم، هكذا ستكون نهاية الكيان.
